في عالمٍ يشهد تطوراً متسارعاً على مختلف الأصعدة، يظلُّ ملف الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الدولي. وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر واحدة من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان، ما يجعل من التصدي لها أولوية مركزية. وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة، من الدول الرائدة في مكافحة الاتجار بالبشر في منطقة الشرق الأوسط ودعم الجهود الدولية لمواجهة هذا التحدي. وفي إطار اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرِق وتجارة الرقيق عبر الأطلسي، الذي يحتفي به العالم في الخامس والعشرين من مارس من كل عام، تجدر الإشارة إلى الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في هذا السياق، فقد ظلّت الإمارات تضع ملف حقوق الإنسان في مقدمة أولوياتها، خاصةً فيما يتعلق بحماية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مثل ضحايا الاتجار بالبشر.
والحاصل أن دولة الإمارات، ومنذ تأسيسها، آمنت بالأهمية المطلقة للدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها، وأظهرت التزاماً حقيقياً بمحاربة جريمة الاتجار بالبشر من خلال حزمة من القوانين والتشريعات المتكاملة، ورغم التحديات التي تفرضها هذه الظاهرة المعقَّدة، لا تزال الدولة تبذل جهداً كبيراً للتعامل مع الأسباب التي تقف وراءها وتقديم الحلول الواقعية للتخفيف من آثارها على الضحايا.
ويُعد قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي اعتمدته دولة الإمارات عام 2006 من أبرز الجهود في هذا السياق، ويحتوي القانون على مجموعة من التدابير القانونية التي تهدف إلى مواجهة هذه الجريمة، ويعاقِب بشدة كلَّ من يثبت تورطه في تجارة البشر، سواء كان ذلك في شكل عمل قسري، أو استغلال جنسي، أو استخدام الأطفال في الأنشطة غير القانونية.
لكن التحدِّي الأكبر يكمن في أن هذه الجريمة تتطلب أكثر من مجرد قوانين رادعة، إذ تقتضي مكافحة الاتجار بالبشر وضع استراتيجيات شاملة تشمل الوقاية، والحماية، والمعالجة، وهو ما دفع الإمارات إلى تبنِّي نهج متكامل يتضمن تعزيز الوعي المجتمعي حول مخاطر هذه الظاهرة وسبل الوقاية منها، بالإضافة إلى التعاون مع المنظمات الدولية لخلق شبكة حماية فعّالة، وكذلك توفير مراكز إيواء للضحايا تقدِّم الدعم النفسي والطبي والمساعدة القانونية، بما يسهم في إعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى حياتهم الطبيعية.
وفي الواقع، فإن دولة الإمارات تدرك أن محاربة هذه الجريمة العابرة للحدود تحتاج إلى تعاون مكثَّف بين الدول، لذلك، أسّست العديد من الشراكات الدولية مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك الأمم المتحدة، والوكالات المتخصّصة في مجال حقوق الإنسان، لتعزيز التنسيق والمشاركة في المبادرات العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر.
تعكس هذه الشراكات الدولية التزام دولة الإمارات العميق بمكافحة الاتجار بالبشر على المستوى العالمي، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن دولة الإمارات تُعتبر عضواً نشطاً في «المبادرة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر»، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز التنسيق بين الحكومات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وإيجاد حلول مبتكرة وفعالة لمكافحة هذه الظاهرة.
وتهتم دولة الإمارات بتعزيز التعاون بين الدول العربية بشكل خاص، لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر التي تشهد المزيد من التطور في أساليبها، ما يتطلب تبادل المعلومات بشكل أفضل وأسرع. وفي هذا السياق، يمكن لدولة الإمارات أن تؤدي دوراً محورياً في تقديم نموذج إقليمي للتعاون الفعّال، بما يضمن مواجهة أساليب الاتجار المتجدّدة.
وتؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال مبادراتها المستمرة، التزامها الثابت في مواجهة جرائم الاتجار بالبشر. ومن خلال العمل على تطوير التشريعات والأنظمة المحلية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، فإن الإمارات تمثِّل نموذجاً للدول التي تعمل جاهدةً لتوفير بيئة آمنة وحرة لجميع البشر. ولكن يبقى الطريق طويلاً، ويتطلب المزيد من التكاتف بين جميع كل الجهات المعنية، سواء الحكومات أو المنظمات غير الحكومية أو المجتمع الدولي كافَّة، لتحقيق عالم خالٍ من الرِق والاتجار بالبشر.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.