تقوم الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، بالانسحاب من برنامجين عالميين كانا يُعتبران ضروريين للحد من استخدام الوقود الأحفوري والتعامل مع عواقب تغير المناخ. في رسالة حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست»، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من مجلس يشرف على صندوق لمساعدة الدول الضعيفة التي تتعرض لكوارث مناخية.

وقد نشأ هذا الصندوق، المعروف باسم «الخسائر والأضرار»، عن اتفاق دبلوماسي صعب تم التوصل إليه في عام 2023. وبشكل منفصل، قال متحدث باسم وزارة الخزانة: إن الولايات المتحدة ستنسحب أيضاً من برنامج تمويل المناخ العالمي المعروف باسم «الشراكة من أجل انتقال الطاقة العادل» (JETP)، والذي يهدف إلى مساعدة العديد من الدول النامية الكبرى على الابتعاد عن الوقود الأحفوري، وخصوصاً الفحم. وصرّح المتحدث باسم الخزانة بأن هذه الخطوة تتماشى مع الأمر التنفيذي لترامب الذي يضع «أميركا أولاً في الاتفاقيات البيئية الدولية». وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل «التفاعل مع الدول الشريكة بشأن قضايا الطاقة والاستثمار ذات الاهتمام المشترك».

وقال «ريتشارد شيرمان»، وهو جنوب أفريقي يشارك في رئاسة مجلس صندوق الخسائر والأضرار: «إن تأثيرات هذا الانسحاب على الدول النامية هائلة». ولكن لم تكن أي من هذه الخطوات مفاجئة، نظراً لأن ترامب سبق أن أجرى تخفيضات كبيرة في الإنفاق على المناخ والبحث العلمي، وأمر بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.

كما قامت الولايات المتحدة في فبراير الماضي بمنع العلماء الأميركيين من حضور حدث عالمي رئيسي حول المناخ. لكن هذه الخطوات الأخيرة تزيد من التحديات التي تواجه بقية العالم، حيث ترتفع تكلفة معالجة تغير المناخ، دون مساهمات مالية كبيرة من أكبر اقتصاد في العالم. وقالت «نامراتا شودري»، رئيسة قسم المشاركة العامة في منظمة «أورج 350» (350 .org)، وهي منظمة معنية بالدفاع عن المناخ: «من خلال إدارة ظهرها لتمويل المناخ الدولي، تتوقف الولايات المتحدة عن التزاماتها كملوث تاريخي، وتتخلى عن المجتمع الدولي، وتتنصل من مسؤوليتها المشتركة». وبانسحابها من «مجلس صندوق الخسائر والأضرار»، تتخلى الولايات المتحدة عن قدرتها على الإشراف على صندوق يساعد الدول التي تواجه فيضانات وجفافاً وأزمات أخرى.

وتعتبر هذه الخطوة رمزية إلى حد كبير، نظراً لأن الولايات المتحدة لم تكن تساهم فعلياً بمبالغ كبيرة حتى أثناء عضويتها في المجلس، حيث لم تتجاوز مساهمتها 17.5 مليون دولار، وهو مبلغ اعتبرته منظمات الدفاع عن المناخ غير كافٍ.

وأعرب «علي محمد»، مبعوث المناخ الكيني، عن خيبة أمله إزاء انسحاب الولايات المتحدة من المجلس، مشيراً إلى أن المجلس يضم ممثلين من 25 دولة أخرى، تشمل الدول الغنية والفقيرة. وفي رسالة بتاريخ 4 مارس وموجهة إلى رئيس المجلس، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها «بأثر فوري».

وكتب «محمد» على منصة «إكس»: «في وقت يحتاج فيه العالم إلى جهود متضافرة لمكافحة آثار تغير المناخ، ينبغي أن يظل روح التعددية مرشدنا الأساسي». أما «الشراكة من أجل انتقال الطاقة العادل»، فقد تم إنشاؤها في عام 2021 لمساعدة الدول التي تعتمد بشكل كبير على الفحم في التحول إلى الطاقة النظيفة دون التسبب في اضطرابات اقتصادية. وكانت الولايات المتحدة أحد المانحين الأصليين إلى جانب بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتهدف المبادرة إلى توفير مزيج من القروض منخفضة الفائدة والمنح، بدءاً بجنوب أفريقيا في عام 2021، ثم إندونيسيا وفيتنام في عام 2022. كما تم توقيع شراكة مع السنغال في عام 2023، ولكن دون مشاركة الولايات المتحدة. عندما تمت الموافقة رسمياً على خطة تحول الطاقة لجنوب أفريقيا، قال الرئيس جو بايدن: إن المبادرة «ستساعد على ازدهار اقتصاد الطاقة النظيفة في جنوب أفريقيا». كما وصفت وزيرة الخزانة آنذاك، جانيت يلين، النموذج بأنه «رائد».

لكن النقاد أشاروا إلى أن التمويل لم يكن مصحوباً بتقدم سريع. فقد أشار تقرير صادر عن مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا إلى أن جنوب أفريقيا تعهدت في عام 2021 بإغلاق جميع محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2050. لكن بعد ثلاث سنوات، تم إغلاق محطة واحدة فقط، بينما تم تأجيل الجداول الزمنية لبقية المحطات.

وقال التقرير: «من المرجح أن المفاوضين قد استهانوا بتعقيدات إغلاق محطات الفحم التي توفر الجزء الأكبر من الكهرباء وتوظف عدداً كبيراً من السكان». وأكد رئيس برنامج الشراكة في جنوب أفريقيا انسحاب الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن حكومة جنوب أفريقيا قد تم إخطارها من قبل السفارة الأميركية الأسبوع الماضي. وسيؤدي الانسحاب إلى تقليص التعهد المالي الإجمالي المقدم لجنوب أفريقيا بمقدار مليار دولار، من أصل 13.8 مليار دولار. وقالت «جوان يويتش»، رئيسة البرنامج في جنوب أفريقيا: «تظل جنوب أفريقيا ملتزمة بشدة بتحقيق انتقال عادل ومنصف للطاقة»، مؤكدة أن جميع الشركاء الآخرين «ما زالوا ملتزمين بالكامل». كما أكد مسؤول مشارك في المشروع في إندونيسيا الانسحاب الأميركي، مشيراً إلى أن بعض الدراسات سيتم تعليقها نتيجة لذلك، لكنه أعرب عن أمله في أن يتمكن المشروع من تحقيق أهدافه الرئيسية. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 60% من الكهرباء في إندونيسيا يتم توليدها من محطات تعمل بالفحم. لقد أصبحت مسألة تمويل تكاليف مكافحة تغير المناخ ومنع آثاره إحدى القضايا المالية الأكثر تعقيداً في العالم، حيث تسببت في تعميق عدم الثقة بين دول الجنوب العالمي والشمال العالمي. وفي ديسمبر الماضي، تعهدت الدول الغنية بتوفير 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمساعدة الدول الفقيرة الأكثر عرضة لتغير المناخ.

لكن معظم الخبراء يقولون إن هذا المبلغ أقل بكثير مما تحتاجه هذه الدول. وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أسابيع من انتخاب ترامب، مع توقعات بأن الولايات المتحدة لن تساهم سوى بمبلغ ضئيل، إن ساهمت أصلاً.

*كاتب متخصص في شؤون المناخ العالمي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»