توجد العديد من الحجج المقنعة والأرضيات الصلبة، التي تجعل من النظر إلى بعض المشاكل البيئية بأنها عالمية الطابع. ويعود السبب في ذلك إلى أن بعض العمليات الصناعية والتجارية تأثيرها كوني وذو أبعاد تطال العالم أجمع. على سبيل المثال إذا كان مستوى أمواج البحر يرتفع، فإن ذلك يحدث في كل مكان؛ وإذا ظهرت غيمة مشعّة من حادث نووي، فهي قد تنتقل إلى مسافات بعيدة وفي أي اتجاه. توجد أيضاً أسباب لقبول مقولة أن عولمة الإنتاج الاقتصادي والتجارة تعمل على نقل المشاكل البيئية المحلية لكي تصبح عالمية.

وتوجد أسباب تتعلق بالمبادئ وفلسفية للاقتناع بأن وسائل المحافظة على البيئة العالمية لها طعم ونكهة كونية. ومن جانب آخر وعلى مدار العالم البشر مسؤولون عن تهديد حياة المخلوقات الأخرى من حيوانات ونباتات عن طريق التأثير السلبي على بيئاتها أو استهدافها بشكل مباشر. لذلك، فإن صيغ من ردود الفعل المنسّقة عالمياً مطلوبة إذا ما كان البشر يريدون حماية مخلوقات الأرض الأخرى، ضمن حمايتهم للبيئة على نطاق عالمي.ومن الواضح أيضاً أن الموارد المعدنية ومصادر الطاقة محدودة، ومن أجل حياة طويلة الأمد، فإن أنماط المعيشة الإنسانية التي لا تعترف بمحدودية الموارد الطبيعية لا بد وأن يتم استبدالها بأنماط جديدة على المستوى العالمي. وحول هذه التقنية توجد مسألة هامة لابد من طرحها وهي أن العديد من جماعات الضغط ومؤسسات بعينها تستفيد من وراء طرح والترويج لفكرة أن جميع المشاكل البيـئية عالمية الطابع.

نتيجة لذلك على البشرية أن تكون حذرة تجاه قبول بعض الادعاءات بشأن الكونية، وتوجد قيم إنسانية راسخة في مواجهة ذلك، وعندما تطرح هكذا ادعاءات يتوجب على البشر فحصها بعناية من خلال القيم الراسخة المتواجدة لديهم.يوجد عاملان رئيسيان على المحك، يتعلق أحدهما بالموقع الجغرافي للدول، فيما يتعلق الثاني بالثروة التي تتواجد في أيديها. نظرياً الظواهر الكونية لها تأثيرات مختلفة في أماكن مختلفة من الكرة الأرضية اعتماداً على اختلافات جغرافية واقتصادية تتعلق بامتلاك الثروات المالية.

مناطق واسعة من هولندا تقع تحت سطح البحر، لكن الهولنديين تعلموا التعايش مع المشكلة. والمزيد من ارتفاع مستوى مياه البحر يتسبب في نفقات ضخمة، لكن المهندسين في هولندا لديهم طرق مبتكرة لإدارتها والتعامل معها. توجد دول في العالم النامي تواجه نفس المشاكل لكنها عاجزة عن حلها، فبنجلاديش تخضع باستمرار لفيضانات مدمرة، وجزر المالديف تتعرض لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر. وكلتا الدولتين تفتقد الموارد المالية والمهندسين ذوي الخبرة لمواجهة وحل هذه المشاكل. إن ما يُفترض بأنها مشاكل كونية يمكن أن تؤثر على دول وشعوب العالم بشكل متساوٍ تلقى اهتمامات مختلفة، وفقاً لموقع الدول الجغرافي والثروات المالية والخبرات الغنية التي تمتلكها.

وبالنظر إلى أهمية هذه الاختلافات الجغرافية والمالية والغنية، يصبح الحديث عن المساواة في النظر إلى المشاكل البيئية بأنها عالمية الطابع عديم المصداقية، والحديث عن تحديات عالمية مشتركة ومناشدات لردود فعل عالمية موحدة، تغدو مضللة أو منحازة، وذات أهداف ترتبط بقدرات الدول وموقعها وأهدافها لتحقيق مصالحها. لذلك، فإن التركيز على الطبيعة الكونية للمشاكل البيئية الحالية القائمة في عالم اليوم يميل إلى أن يكون شأناً إعلامياً أكثر منه واقعياًَ، وبأنه ينطوي بداهة ويدل ضمناً على وجود الاهتمام الشعبي العام المتزايد لمواجهتها عالمياً، وقصور في المواقف والنوايا والاهتمام الحقيقي بحلها جماعياً نظراً لارتباطها بالمصالح وبتوفير الميزانيات والإمكانيات المادية والفنية. وحقيقة أن شؤون العالم تدار من قبل الدول وحكوماتها وليس من قبل شعوبها.

*كاتب إماراتي