يلاحظ في الآونة الأخيرة وجود عدم  فهم دقيق لماهية الدراسات المستقبلية، حتى من قبل بعض الباحثين الذين يدعون بأنهم يضعون دراسة أو بحثاً لموضوع ما بأنه دراسة مستقبلية، فما هي الدراسات المستقبلية؟ هذه الادعاءات كثرت، لكن حين ينظر المرء فيها بدقة، خاصة كناقد أو مقيّم لها من حيث كونها صالحة للنشر كبحث علمي في حقل الدراسات المستقبلية، يجد بأنها ليست لها علاقة بما يقوله واضعها، وبأنها إما دراسة تاريخية أو عبارة عن مجموعة من «التخمينات» غير القائمة على أسس تقنع القارئ بأنها دراسة رصينة في حقل الاستشراف المستقبلي.
وفي هذا السياق، يوجد قول شائع بأن أصحاب منهج الدراسات المستقبلية أو المستقبليون يقومون بالتخمين بما يمكن أن يحدث في المستقبل.
لكن الحقيقة مختلفة عن ذلك تماماً، فأصحاب هذا المنهج الجديد نسبياً في علم السياسة يعلمون أكثر من غيرهم بأن المستقبل غير قابل للتخمين بما يمكن أن يحدث فيه، فالبشر لا يمكن لهم أن يعلموا بما يمكن أن يحدث في المستقبل لأن علم الغيب هو عند الخالق عز وجل.
إذن يبرز أمامنا هنا سؤال مهم هو: ما الذي يفعله أو يقوم به المستقبليون؟ والجواب على هذا السؤال أنهم يحاولون اقتراح إمكانية وقوع أحداث في المستقبل لكي يتمكن متخذ القرار السياسي تقرير الذي يمكن لهم القيام به، فعن طريق النظر في الأحداث الجارية والأنماط السائدة من الممكن لهم وضع تصوراتهم لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
وبهذه الطريقة، فإن معرفة الاحتمالات المستقبلية - أو ما قد يحدث في المستقبل - يستطيع متخذو القرار الاختيار من بين عدة بدائل توضع أمامهم، وما لم يكونوا على بينة بأن لديهم عدة بدائل، وما هي تلك البدائل، لا يمكن لمتخذي القرار الرسو على ما يريدون له أن يحدث، دع عنك جانباً حدوثه على أرض الواقع حقاً وحقيقة.
وعليه، فإن الخطوة الأولى أمام متخذي القرار السياسي تكمن في خلق مستقبل أفضل لشعوبهم عن طريق تحديد القضايا التي يمكن أن تحدث في المستقبل.
وما أن يتم تحديد الاحتمالات بدقة يقوم متخذو القرار بجعل المطلوب منها يحدث ومنع حدوث غير المرغوب فيها. هذا هو الهدف الأساسي من الدراسات المستقبلية في علم السياسة.
إن البشر ذوي الفكر القويم والمنطق السليم دائماً ينظرون إلى المستقبل، وذلك لكي يتمكن متخذ القرار من الاستعداد للأحداث القادمة، وتوجد العديد من الأمثلة لأحداث وقعت نجح متخذو القرار في اتخاذ ما يلزم حيالها بذكاء عن طريق التنبؤ بوقوعها مسبقاً وتطوير استراتيجيات ناجحة والمعدة لكيفية الخروج منها.
في معظم الأوقات النصر دائماً ما يكون حليف البشر الذين يفكرون إلى الأمام وليس مع الذين لا يفكرون مطلقاً.
على ضوء هذه الأفكار الدقيقة بشأن الدراسات المستقبلية يبرز سؤال حول من هم أصحاب الدراسات المستقبلية أو المستقبليون؟ في السنوات الأخيرة برز عدد من العلماء، سواء في علم السياسة أو في غيره من العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومجموعة من المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال الخاصة والباحثين والكتّاب لكي يصبحوا مهتمين بالتوقعات المستقبلية لما يمكن أن يكمن مستقبلاً أمام المؤسسات محل اهتمامهم، وبأن استشراف ما قد تؤول إليه أمورها المستقبلية سيساعدهم على الاستعداد لمواجهة ما يحدث من تغيرات متسارعة وبشكل متزايد في عالم اليوم.
هذه المجموعة من المهتمين بهذه الأمور هم من يطلق عليهم المستقبليون، وحتى هذه المرحلة لا يوجد مصطلح محدد يطلق على الحقل ذاته نظراً لكونه حقلاً جديداً ناشئاً لكن توجد له مسميات عدة منها: البحوث المستقبلية، والدراسات المستقبلية، والكشف المجرد للمستقبل، وعلم المستقبليات، والتحليل المستقبلي، والحدس، إلى آخر هذه المسميات، أما الحقول ذات العلاقة التي تتقاسم منهجيات واهتمامات شبيهة، فتسمى بأسماء خاصة بها، لكنها لا تبتعد كثيراً عن سابقتها، كالتنبؤات الاستراتيجية، وقضايا إدارة تحليلات النمط، وتقييم تأثير التخطيط بعيد المدى.