بعد مضي نحو ثلاث سنوات، اتفقت حكومة بغداد مع حكومة إقليم كردستان في أربيل، على تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في 15فبراير2022، بعدم دستورية قانون النفط والغاز المعتمد من قبل حكومة الإقليم منذ عام 2017، واعتبار العقود التي أبرمتها مع شركات وأطراف ودول «عقوداً باطلة»، وألزمها القرار، بتسليم كل النفط والغاز في الإقليم، إلى شركة تسويق النفط العراقية «سومو».
وعلى رغم أن هذا الحكم هو «دستوري وقطعي» ولاجدال فيه، فقد رفضته حكومة أربيل منذ صدوره، واعتبرته «غير عادل وغير دستوري»، ويتعارض مع الحقوق والسلطات الدستورية للإقليم. مؤكدة أنها ستتخذ جميع الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية، لضمان حماية العقود المبرمة، والتي تشمل نحو 40 شركة أجنبية من 19دولة (منها أميركية وأوروبية وتركية وصينية) تقوم باستثمارات في حقول لم تكن مستثمرة قبل عام2005، ولذلك فهي تمسكت بتنفيذ المادتين 112و115من دستور الجمهورية «لإدارة النفط والغاز اللذين يتم استخراجهما في الإقليم».
وقبل أن يتوقف ضخ نفط كردستان في 25 مارس 2023 عبر خط الأنابيب الممتد إلى ميناء جيهان على الساحل التركي نتيجة تعرضه لأضرار جراء الزلزال الذي ضرب تركيا، كانت أربيل تصدر نحو 400 ألف برميل يومياً.
وفي أكتوبر من العام نفسه أنجزت أنقره إصلاحه، وأبلغت بغداد أنه أصبح جاهزاً للتشغيل، وأن تحديد بدء استئناف الضخ ينتظر قراراً تتخذه الحكومة العراقية بعد الاتفاق مع حكومة أربيل. ولكن هذا الاتفاق كانت دونه عقبات كثيرة ومعقدة تتعلق بحقوق الشركات المنتجة وتعويضات عن التعطيل وغرامات ورسوم مالية، ورافق ذلك تراكم لخسائر قدرت بنحو 19 مليار دولار.
وبنتيجة مباحثات طويلة ومستفيضة، تم الاتفاق مؤخراً بين بغداد وأربيل على تصدير النفط من إقليم كردستان عبر شركة تسويق النفط الوطنية «سومو»، واستئناف استخدام خط الأنابيب للتصدير عبر ميناء جيهان التركي، وفتح حساب بنكي خاص بحكومة الإقليم تحوّل إليه واردات بيع النفط، كذلك تم الاتفاق على تحديد تكلفة إستخراج ونقل برميل النفط في المنطقة بـ16دولاراً، وهو حل وسطي بين عرض حكومة بغداد البالغ 6.9 دولار فقط، ومطالبة الشركات بثلاثة أضعاف هذا المبلغ. والأهم من كل ذلك، برزت في سياق المباحثات، الضغوط الأميركية التي ساهمت في إنجاز الخطوات الممهدة لاستئناف ضخ «النفط الكردي»، وذلك لأسباب عدة تتعلق بحماية مصالح الشركات الأميركية، ودعم حكومة كردستان، ومنع التهريب.
ولوحظ وجود لوبي كردستاني داخل الكونغرس، يطالب الحكومة الأميركية بالضغط على كل من العراق وتركيا لاستئناف ضخ النفط. ولكن يبقى تحديد الموعد، وهو متوقع بين يوم وآخر، بانتظار التنسيق مع الجانب التركي. وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن هذه التطورات أحدثت ردات فعل إيجابية، انطلاقاً من أن العراق بلد فيدرالي وليس كونفيدرالي، وثروته هي ملك للشعب، وبالتالي تكون إدارة تجارته الخارجية من اختصاص الحكومة المركزية.
أما ردود الفعل السلبية، فهي تهدد بتداعيات خطيرة قد تؤدي إلى مواجهة تحديات الفيدرالية «النفطية» في ضوء علاقة الحكومة الاتحادية بالمحافظات والأقاليم المنتجة للنفط، خصوصاً لجهة تحديد التوزيع العادل للثروة، ودخول الكتل السياسية «ساحةَ المنافسة»، لاسيما أن هذا التطور قد يدفع المحافظات للمطالبة باستخراج النفط من مناطقها، في إطار تحقيق الإنماء المتوازن، الأمر الذي يفقد أهمية تماسك الصناعة النفطية الوطنية ويضرب وحدتها.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.