في مقالة سابقة حول عام المجتمع، ذكرنا بأن منظورنا الأساسي حول الأمر كمتخصصين في علم السياسة يتعلق بعلاقة الدولة بالمجتمع، واستكمالاً لذلك نورد هنا بأن هذه العلاقة تخص ما تقوم به (الدولة الوطنية) الحديثة تجاه مجتمعها، لكن قبل الخوض في الموضوع الذي نحن بصدد الحديث حوله، لا بد لنا من التفريق بين أمرين هما الدولة بمؤسساتها والحكومة القائمة فيها، فالدولة هي الأساس الذي يشمل كل شيء، وعلاقتها بالمجتمع فوق علاقة الحكومة بالمجتمع. الحكومة تشكل جزءاً من الدولة، وهي التي تتولى السلطة السياسية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة تتضمن السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، كما تتضمن جميع المؤسسات الأخرى وتعهد إلى الحكومة بإدارتها وتسييرها.
وهذا يعني أنه لا بد من وجود توافق وانسجام بين الدولة والحكومة، أما إذا حدث تعارض أو تناقض، فالأمر يصبح مختلفاً، وهذا شأن آخر. (الدولة - الوطنية) على الصعيد العالمي، أخذت أجهزتها في التوسع والتضخم وبسطت نفوذها على المجتمع عن طريق الحكومة أو السلطة السياسية التي أخذت بدورها في سن وفرض تشريعاتها وقوانينها الكثيرة. وهذا الأمر لا يقتصر على دولة وطنية دون الأخرى، بل أصبحت ظاهرة عامة تطال جميع الدول الوطنية في أنحاء المعمورة. لذلك نجد بأن دولاً بعينها تقوم بمحاربة ظاهرة البيرقراطية بقوة.
وعلى رأس قائمة هذه الدول تأتي دولة الإمارات التي أدخلت نظماً حديثة وإجراءات ميسرة تهدف إلى القضاء على الدورة الورقية والإجراءات البيروقراطية المعيقة توخياً إلى تسهيل الأمور أمام أفراد المجتمع في معاملاتهم الرسمية لديها. يشير عدد من المختصين في الإدارة الحكومية إلى أن الأمر وصل إلى ما يشبه عقد اتفاق ضد الإجراءات البيروقراطية التي تعيق مصالح المجتمع، فما من حكومة في العالم إلا وتنادي بالقضاء على الروتين وتحسين الإدارة، ولا توجد حكومة إلا وتنادي بالإصلاح وتدعو إليه.
لكن المحصلة النهائية في العديد من الدول تسير بعكس الاتجاه من حيث زيادة قبضة البيروقراطية وتضم عدداً من المؤسسات الرسمية وزيادة التعقيدات والقوانين الإدارية الرسمية إلى أن أصبحت الدولة عالماً قائماً بذاته في مقابل المجتمع الذي يعيش تحت سلطتها. لذلك يرى بعض الدارسين تسمية الدولة - الوطنية الحديثة بالطبقة. ويعود السبب في هذه التسمية الغريبة للدولة في علاقتها بالمجتمع إلى كونها تحمل سمات معينة نوجزها في الآتي: أولاً، تضم أجهزة الدولة بحيث أصبحت يدها تطال جميع زوايا المجتمع وأنشطته. ثانياً، وجود قطاع اجتماعي ممتد من موظفي الدولة العاملين في قطاعاتها حتى أصبحت ضخمة من حيث العدد والقدرة والصلاحيات والسلطة.
هذه القطاعات لم تعد وسيلة لتسهيل أمور الدولة والمجتمع أو لخدمة مصالح المجتمع والدولة بأفضل الطرق الممكنة، بل أصبحت كيانات قائمة بذاتها ولذاتها، وأصبحت مدعاة لتذمر المجتمع؛ لأنها خرجت عن سيطرة المجتمع، معتمدة على تحكمها بالقوانين والتشريعات وأدوات التنفيذ.
ثالثاً، عادة ما يميل أعضاء البيروقراطية الحكومية إلى الترفع على المجتمع وأفراده، في حين أنهم وضعوا في مناصبهم لخدمة المجتمع، وإلى تضخيم أدوارهم وصلاحياتهم وزيادة سلطتهم الإدارية. *كاتب إماراتي