فهم الأفكار والمعتقدات التي نشأ عليها الفرد، والتي يتبناها ويؤمن بها، خاصة عندما يصبح رئيساً لدولته فيما بعد، أمر جوهري، وفي غاية الأهمية لإدراك كيف من الممكن أن توثر هذه الأفكار في أداء حكومته، وأعضاء تلك الحكومة وكبار مسؤوليها الذين سيتم اختيارهم للتعامل مع أجندات وملفات تمثل توجهات سياسات الدولة الراسخة حتماً، ولكن توجهات الحزب والرئيس الذي انتخب ليمثل تلك الدولة كذلك، ومن هذا المنطلق وإن نظرنا في شعار الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» سيتكون لدينا فهم أعمق بالتأكيد عن السياسة والقرارات التي سيتخذها الرئيس الأميركي.
الرئيس ترامب يمثل موجة شعبوية، وحركة أيديولوجية تتمتع بالمرونة والزخم اللازمين للصمود إلى ما بعد النقطة التي يبتعد فيها مؤسسها، ومن الواضح أن الحركة نضجت، خلال السنوات الأربع التي قضتها في ما يمكن وصفه بـ« البرية السياسية»، في ظل حكم الرئيس الأميركي الأسبق «بايدن»، وبدوره يقود ترامب يميناً جديداً وجد أخيراً طريقة لغرس مجموعة من السياسات الشعبوية بجاذبية وشعبية متزايدة.
وفي حين أن ترامب دعا للوحدة في خطاب تنصيبه إلّا أنه أصدر بعد توليه الرئاسة سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تبدو قاسية في الداخل الأميركي، وخارجياً، وهي تحظى بدعم واسع النطاق لدى فصيل معين من الشعب يعلم أن الرئيس يدافع عنهم، ولا يتحدث عن كل الفئات التي تمثل الشعب الأميركي.
فقد صوّت 49% من الشباب، وخاصة الذكور لمصلحة ترامب، وأعرب 67% منهم عن تفاؤلهم بشأن ولاية ترامب الثانية، وعلى القدر نفسه من الأهمية يبدو أن الشباب الأميركي من النخب ينجذب بشكل متزايد إلى طابع ثقافة أميركية لها خصوصية تأمين المصلحة الوطنية في إطار فكري غربي محض، وحركة (MAGA) التي كانت موجودة ذات يوم خارج حدود الاحترام الاجتماعي، قد أمضت السنوات الثماني الماضية في تطوير مؤسساتها ومتاجرها السياسية ومنصاتها الإعلامية في انتظار المُخلّص، أو المنقذ، الذي سيجعلها في الواجهة.
يلاحظ المراقبون في أوروبا قوة البنية التحتية المؤسسية لحركة MAGA، وهو يجسد اعترافاً متزايداً بأن الحركات اليمينية الأوروبية بحاجة إلى محاكاة نجاح نظيراتها عبر الأطلسي مثل، مؤسسة «التراث»، و«أمريكان مومنت»، ولذلك يتابع اليمين الأوروبي بشغف تصريحات ترامب حيال سياسته الضريبية، واستخدام تلك الأموال لدعم المصلحة العامة، هو ما يفعله «الملك» وليس «الرئيس»، كما أن نية قطع تريليونات الدولارات الفيدرالية عن الولايات والمنظمات غير الربحية - ليس فقط في المستقبل، ولكن على الفور - هو أمر في الواقع غير دستوري ومخالف له بشكل صارخ، ولكن الرئيس الحالي يريد أن يستخدم الغالبية منها في جعل أميركا عظيمة مجدداً، وعن أي أميركا يتحدث الرئيس؟ وما علاقة تفوق العرق الأبيض والمسيحية القومية بذلك تحديداً؟ وما علاقة ذلك بقطع الخدمات الاجتماعية، والبرامج التي تديرها الولايات المختلفة لمواطنيها!
وإفقار الناس وحملات شرسة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين؟! أليس هؤلاء من يقومون بأغلب الأعمال التي لا يريد أن يعمل بها أي مواطن أميركي وقد هجرها الأميركان منذ زمن بعيد؟ وهل قرارات ترامب مبنية على خلفية ومسببات أيديولوجية وعرقية بقدر أي سبب آخر، ويراهن على أميركا بيضاء تقود الحضارة الغربية مجدداً، وأخرى لجميع الألوان والأقليات؟
ومن جهة أخرى، يقابل حركة MAGA الأميركية حركة أوروبية، وهي حركة «اجعل أوروبا عظيمة مرة أخرى» (MEGA)، والحركتان قوميتان، ويؤيدهما وبشدة اليمين المتشدد للحفاظ على الهوية الغربية، وضمان شعبية طاغية بين الشباب الأوروبيين. ووفقاً لاستطلاع حديث، فإن اليمين المتشدد هو الخيار السياسي المفضل لنسبة كبيرة من الشباب الإسبان حسبما ذكرت إذاعة «كادينا سير»، ووفقاً لدراسة بحثية إسبانية، فإن 25 % من الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً في إسبانيا يعتبرون أنه في ظروف معينة «الاستبداد أفضل من الديمقراطية».
وأظهرت العديد من الاستطلاعات التي أجريت على مستوى الاتحاد الأوروبي قبل الانتخابات الأوروبية أن الأحزاب اليمينية المتشددة كانت القوى المفضلة بين الشباب وبنسبة دعم بلغت 30%، و«ترامب» يعلم ذلك تماماً، ويعلم ما يدور خلف الكواليس من انقسامات داخلية.
*كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات.