لا شك أن أحد أهم أدوار مراكز الفكر والبحث المتطورة، التي تسعى لمواكبة نظيرتها في الدول المتقدمة، يتمثل في قدرتها على بناء جسور الحوار والنقاش مع المؤسسات المناظرة، وكذلك مع صناع القرار والمؤسسات الحكومية والأكاديمية، وفهم واستيعاب اتجاهات الرأي العالم العالمي وما يشهده العالم من تحولات جيوسياسية وجيواستراتيجية متسارعة، لاسيما في الآونة الأخيرة.

كما تتمثل في القدرة على ترجمة النظريات والتصورات والأفكار إلى رؤى واقعية قابلة للتنفيذ، تساعد صناع القرار في رسم السياسات واتخاذ القرارات، اعتماداً على الحقائق والبيانات والمعلومات الموثوقة، وفي الوقت ذاتِه تعمل هذه المراكز كوسيط معرفي ومطور للأفكار، عبر آليات البحث العلمي الرصينة. وانطلاقاً من هذه الرؤى، فقد شارك مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، كعضو مساهم، في أعمال القمة العالمية للحكومات 2025، في دبي، وذلك للسنة الثالثة على التوالي، بهدف «استشراف حكومات المستقبل»، في ظل التغيرات النوعية الاستراتيجية الكبرى في العالم، دعماً للجهود العالمية الرامية إلى بلورة صيغ ورؤى استراتيجية مشتركة تعزز الاستقرار، وتسهم في دعم خطط التنمية والازدهار العالمي.ولأن الشباب ثروة بشرية هائلة، والاستثمار فيه من خلال التعليم والتدريب والبحث العلمي، وتطوير المهارات لمواكبة المتغيرات العالمية، سيزيد من الفرص لدولنا، خصوصاً مع تذليل التحديات أمام الشباب، فقد شارك «تريندز» في النسخة الرابعة من الاجتماع العربي للقيادات الشابة، المنظم من طرف مركز الشباب العربي، بالتعاون مع القمة العالمية للحكومات، بعنوان «صنع في العالم العربي.. شباب عربي الهوية.. عالمي الأثر»، مع وزراء الشباب العرب، ونخبة القيادات العربية الحكومية الشابة، وهو ما مثل مظلة جامعة لحوارات غير تقليدية لبناء شراكات نوعية ورسم أجندة عمل مشتركة تخدم الشباب العربي وتمكنه في كل القطاعات، حيث يدرك الجميع أن الشباب في دولة الإمارات يمثلون ركيزة أساسية من ركائز التنمية، وتمتلك الدولة تجربة ملهمة في هذا الصدد، ولديها حرص كبير على تبادل الخبرات مع بقية الدول في مجال تمكين الشباب من أجل تعميق تجربتنا وإفادة الآخرين بدروسها.

وفضلًا عمّا سبق، لدينا أيضاً تجربة ذاتية في مركز «تريندز» فيما يتعلق بتمكين الشباب، فنحو 60% من قوة العمل البحثية في المركز من الشباب، وكثير منهم يقودون البرامج البحثية المختلفة، إضافة إلى تعدد المبادرات الشبابية التي منها «مجلس شباب تريندز للبحث العلمي» كأول منصة من نوعها لدعم الباحثين الشباب، وبرامج تدريبية متخصصة للشباب في البحث العلمي والإعلام، بالتعاون مع كبرى المؤسسات البحثية والأكاديمية العالمية، كما أن الحضور الشبابي في المشهد الفكري والبحثي كبير، إذ أعد الشباب نحو 263 دراسة بحثية من إصدارات المركز، فضلاً عن الاهتمام بتناول قضايا الشباب في الشرق الأوسط والعالم، فشباب اليوم هم قادة الغد، والاستثمار فيهم هو ضمان لبناء أجيال قادرة على إحداث تأثير إيجابي على المستوى العالمي، والاتجاه نحو مستقبل أكثر إشراقاً.

وقد سلّطت القمة العالمية للحكومات الضوء على أفضل الممارسات العالمية في الحوكمة وتطوير العمل الحكومي، وتمكين الشباب، ويسعى مركز «تريندز» من خلال رؤيته العالمية إلى الإسهام جديّاً في جهود تمكين الشباب والمجتمع من استشراف المستقبل والإسهام في تشكيله، لتحقيق أفضل النتائج التي تمكّن الحكومات من الاستثمار في الإنسان، واستغلال طاقات الشباب للوصول إلى أقصى إمكاناتهم. وتنبثق مشاركة «تريندز» في هذه الأنشطة الدولية من قناعة متجذرة بقيمة الحوار مع الشركاء حول العالم، وأهمية بناء شراكات بحثية، وتكامل الأدوار وتبادل الرؤى والأفكار البناءة، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من المخرجات البحثية والدراسات الموضوعية، عبر استعراض نتائجها في المحافل المعرفية العالمية التي تجمع رؤساء الدول والحكومات وصناع السياسات والخبراء والأكاديميين والباحثين، للاستفادة منها في كل دول العالم.

ولذا أجرى «تريندز» حوارات بحثية مع عدد من الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين من دولة الإمارات ومختلف دول العالم المشاركة في القمة، دارت حول دور البحث العلمي في دعم الحوكمة وتمكين الأجيال الشابة، ونشر المعرفة، والدبلوماسية الثقافية، وصنع واستشراف المستقبل، وإثراء المعرفة وتبني العمل البحثي في السياسات العامة. وإسهاماً منا كذلك في مواكبة النقاشات الدولية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، ولفهم أعمق للأبعاد المختلفة وتأثيراتها على المستقبل، فقد أصدر «تريندز» في القمة العالمية للحكومات، كتاب «نحو مستقبل أفضل.. حوكمة الذكاء الاصطناعي وتقنينه»، لمعالجة التحديات التي يفرضها التطور السريع للذكاء الاصطناعي، خصوصاً الذكاء التوليدي والتكيفي، مع التوصية بضرورة وضع وضوابط تضمن تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التقنيات وبين تجنب مخاطرها، عبر أطر قانونية وأخلاقية تنظم تطوير واستخدام هذه التقنيات المتقدمة.

إن القمة العالمية للحكومات هي منصة فريدة لقادة الفكر والخبراء وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم لتعزيز الحوار بين مراكز الفكر وصناع القرار العالميين، والبحث العلمي هو الركيزة الأساسية لصياغة سياسات مستدامة واستشراف المستقبل بالمعرفة، والمشاركة في القمة تعكس مدى التزام مركز «تريندز» بدعم مسارات البحث العلمي، وتبادل التجارب والخبرات في المجالات البحثية والمعرفية مع الجهات الدولية المشاركة، وذلك بما يسهم في تطوير السياسات العامة، وتعزيز الحوكمة، والتدقيق في التحديات والأسباب الكامنة وراءها، للتوصية بإصلاحات فعالة، ومواجهة التحديات برؤى مبتكرة، لصياغة مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.

*الرئيس التنفيذي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات.