البيروقراطية تشير إلى مؤسسة معقدة ذات أنظمة وعمليات متعددة الطبقات، وخطوات روتينية لا بد وأن تمر بها المعاملات والخدمات التي تقدم، ومركزية في اتخاذ القرار واحتكار صناعة القرارات المهمة والحاسمة، والتي تخصّ كل موظفي المؤسسة بيد لجان حصرية وقلة قليلة تسيّر المؤسسة. وعادةً ما يتم تصميم البيروقراطيات بهدف الحفاظ على وحدة القيادة والسيطرة المحتكرة في الأشخاص، وليس في النظم داخل المؤسسة، وكثيراً ما تستخدم الكلمة لوصف الإجراءات التي تبطئ عملية اتخاذ القرار بشكل فعّال. وغالباً ما توصف الوكالات الحكومية والمنظمات الكبيرة مثل الشركات بأنها بيروقراطية، ويعتقد مؤيدوها أن البيروقراطية تؤدي دوراً محورياً في إدارة قواعد وأنظمة تلك الكيانات، وستعم الفوضى من دونها.
تجعل البيروقراطية المؤسسات الحكومية والخاصة غير مرنة، ولا تملك الرشاقة الكافية، والتأخر عن المنافسين أو تلبية احتياجات الشركاء والعملاء المستقبلية، والخسارة في سباق جذب المواهب وجعل بيئة العمل جاذبة، كما يعد استشراف المستقبل ليس ذا أهمية خلافاً لأهميته على الورق فقط في تلك المؤسسات، والمبالغة في استخدام الإجراءات الهرمية والمركزية وعرقلة عملية اتخاذ القرار المستقلة من خلال أنظمة مغلقة. وغالباً ما يكون مصطلح «البيروقراطية» مرادفاً للتكرار والتعسف وعدم الكفاءة، وكثيراً ما يستخدم الناس مصطلحات، مثل البيروقراطي والبيروقراطية في سياق سلبي.
وعندما توصف عملية ما بأنها بيروقراطية، فهي إشارة واضحة إلى أن الإجراءات نفسها أكثر أهميةً من الكفاءة.
ولذلك ففي المؤسسات البيروقراطية يكون غالبية المديرين ممن يتبعون الأوامر بحذافيرها، ولا يخطون خطوة دون أن يخبرهم المسؤولون في المناصب الأعلى الذين يعتقدون بأنهم أذكى وأكفأ وأكثر فعاليةً وفهماً لعمل المؤسسة من بقية الموظفين، ولا يتوقفون عن إخبار بقية الموظفين ماذا يفعلون ومتى يفعلونه، والتركيز على الأضواء الخارجية للمهام بدلاً من القيمة الفنية المضافة لتلك المهام، والفعاليات والمشاريع، وما هو دورها الحقيقي في الأعمال الرئيسة للمؤسسة، وبذلك فإن الدمار الذي يعكسه المديرون على الحكومات والشركات الخاصة على حد سواء يكلّفها على المدى المتوسط والطويل خسائر مادية ومعنوية تفوق بأضعاف مضاعفة قضايا الفساد المالي والإداري.
البيروقراطية ليست مثل الحوكمة أو الإدارة، والعديد من البيروقراطيات ليست جزءاً من الهياكل الإدارية، وهي تركز على صحة الإجراءات بغض النظر عن النوعية أو المخرجات المستدامة، والبيروقراطيات.
ويرى الخبراء المعنيون في تصفير البيروقراطية أن هناك إجراءات كفيلة للحد وللقضاء عليها من خلال تبنّي منهجيات جديدة تهدف إلى تبسيط الإجراءات، وتحسين الكفاءة وإعادة تصميم العمليات الحكومية وتطوير استراتيجيات فعّالة لتحسين تدفق المعلومات، وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في تبسيط الإجراءات المؤسسية، وإعادة هندسة العمليات المؤسسية، من خلال تطوير نماذج جديدة قائمة على الكفاءة والمرونة، وإشراك أصحاب المصلحة بما في ذلك الموظفون والمتعاملون والشركاء في عملية تصفير البيروقراطية، وتدريب وبناء القدرات وتأهيل الموظفين الحكوميين، وتزويدهم بالمهارات اللازمة لتنفيذ الاستراتيجيات الجديدة بكفاءة، ولكن هل تلك الإجراءات قادرة حقاً على زعزعة عرش البيروقراطية، مقارنةً مع حجم المنتفعين والمستفيدين منها؟
وماذا عن ثورة رقمنة الخدمات التي يقدمها القطاعين العام والخاص في عالمنا اليوم؟! وهل توجد هناك بيروقراطية رقمية؟ الكثير من الخدمات الإلكترونية في كل دول العالم دون المستوى في القطاعين، وأما في عالمنا العربي فالمؤشرات الكمية هي المسيطرة، والمؤشرات النوعية ليست مستهدفات رئيسة عطفاً على نوعية الإجراءات.
وتُعد كثرة الخطوات المتبعة والصعوبة في الولوج إلى الخدمات الرقمية، ومحدودية الوصول للمسؤولين واندماجهم في العملية الرقمية، وتعذّر الحصول على تغذية راجعة ذات قيمة، أو التعامل مع الشكاوي، وطلبات تحسين الخدمة، والمعاناة مع نوعية الدردشة الإلكترونية تحديات قائمة بالرغم من تقنيات الذكاء الاصطناعي. وماذا عن تقييم الإدارة الإلكترونية والانطباعات الوهمية عن عملية تقييم التحول الرقمي، وفق مؤشرات انتقائية لا تعكس فعالية وجودة الخدمات المقدمة، كمعدل زيارات المواقع، وعدد ردود المجيب الآلي، وحجم الخدمات والملفات المتاحة، بغض النظر عن استجابتها للاحتياجات الفعلية للجودة؟
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات