ما كانت احتفالات اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بالميلاد ورأس السنة هذا العام على نفس الوتيرة المبهجة كما في السنوات الماضية. إذ ما تزال الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» وما خلّفته من خرابٍ في سائر أنحاء البلاد، تُلقي بظلالها على أمزجة اللبنانيين وأسلوب حياتهم. صحيح أنّ المهجرَّين نتيجة الحرب إلى بيروت وطرابلس غادروا الشوارع والمدارس ومراكز الإيواء، لكنّ عمليات رفع الأنقاض وإعادة الإعمار لم تبدأ بعد، وهي أشدّ ظهوراً بالطبع في الجنوب وشرق البقاع وضاحية بيروت الجنوبية. في حرب عام 2006، والتي أثارها الحزب أيضاً، بدأ الإعمار رأساً بعد وقف إطلاق النار، لأنّ دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات سارعت إلى تقديم العون المالي والإغاثي وبخاصةٍ في الجنوب. في حين اقتصر الحراك العربي هذه المرة على ضمان وقف النار، وتقديم المساعدات الإغاثية الكبيرة من السعودية والإمارات على وجه الخصوص.     الهمُّ اللبناني الآخَر اقتراب موعد جلسة مجلس النواب في 9 يناير لمحاولة انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية. لقد خلا منصب الرئاسة منذ ما يزيد على السنتين، ولذلك يهتم المسيحيون بشغل هذا المنصب، لأنه الوجه الرئيسي لمشاركتهم في إدارة البلاد. ويصرُّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على «التوافق» حول الرئيس بين سائر الفرقاء السياسيين. وكان الثنائي الشيعي («أمل» و«حزب الله») قبل الحرب مُصِراً على ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، لعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري وبالحزب، في حين يأبى المعارضون - وقد صاروا كثرةً في مجلس النواب عقب الانتخابات النيابية الأخيرة - الموافقةَ على ذلك، وقد رشحوا ثلاثةً على التوالي، لكنهم الآن أكثر أملاً بسبب انقضاء نظام الرئيس الأسد، وضعف «حزب الله» نتيجة الحرب.. فمن هو صاحب الحظ الأوفر الآن؟ يصر كثيرون على انتخاب قائد الجيش، باعتبار أنه الأقدر على إنفاذ القرار الدولي رقم 1701، ويقال إنّ الأميركيين والفرنسيين يدعمون ذلك.

بيد أنّ أنصار «الرئيس المدني» يشيرون إلى أنّ عادة انتخاب قائد الجيش صارت مرةً رابعة، وأن التحديات أهمها الاقتصاد ومعرفة نظام العالم والسياسات الدولية، ويعني بعض هؤلاء بذلك الوزير السابق جهاد أزعور المدير الحالي لصندوق النقد الدولي في الشرق الأَوسط. ويبدو حتى الآن أن الفريق الشيعي لا يدعم قائد الجيش، لكنه لا يصرّح بالمرشح البديل، بعد أن غاب نجم سليمان فرنجية بسقوط نظام الأسد.

وبسبب هذا الانقسام يرجح المراقبون أن لا يتم انتخاب الرئيس في جلسة التاسع من يناير، وإن يكن هناك حريصون على أن يتم الانتخاب قبل استلام الرئيس الأميركي الجديد لمنصبه خشية الانقلاب الذي قد يحدث في السياسات تجاه لبنان والمنطقة.

   والهمُّ الثالث لدى سائر اللبنانيين، وبخاصةٍ المعنيين بالشأن العام، هو سقوط نظام الرئيس الأسد. فالعلاقات اللبنانية السورية معقَّدة، وبخاصةٍ بعد العام 2011، بسبب مشكلات اللاجئين السوريين الذين يزيدون على المليون، ومئات المسجونين اللبنانيين في السجون السورية، والذين لا يُعرف مصيرهم. وإلى هذا وذاك فقد عانى لبنان طويلاً من خط الإمداد لـ «حزب الله»، والذي كان يأتي من إيران عبر العراق وسوريا. ثم إنه في السنوات الأخيرة تحول لبنان إلى بيئةٍ لتصنيع المخدرات وتصديرها، مثله مثل سوريا، ولا يُعرف من سيتولى المسؤولية من الجانبين الآن، أو ما إذا كانت صناعة الكبتاغون ستتوقف في لبنان أيضاً طالما أنها تعطلت في سوريا.    

لقد اعتاد اللبنانيون منذ العام 1976 على سعي سياسييهم إلى سوريا من أجل الرضا والمناصب. وتتسارع الوفود الآن إلى سوريا لتهنئة حكامها الجدد، والمطالبة بحفظ حقوق الأقليات، وإطلاق سراح السجناء. بيد أنّ القلق من بقاء «حزب الله» على سلاحه هو سيد الموقف، قبل انتخاب الرئيس اللبناني وبعده!

*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية