يعيش الأردن في منطقة «عالية المخاطر»، وتعاني تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية مزمنة، متأثرةً بتطور الصراع العربي الإسرائيلي، وهي تداعيات لا تزال مستمرة، لكن رغم ذلك، ومع الأخذ في الاعتبار الحرب الإسرائيلية الحالية في كل من غزة ولبنان، والأحداث الأمنية المستجدة في سوريا، فقد تمكن الأردن من تجاوز سلبيات عدة، ونجح في الحفاظ على استقرار «الاقتصاد الكلي»، كما عزز ثقة المجتمعين العربي والدولي به، وهذا ما ساعده في الحصول على معدلات فائدة أفضل في أسواق رأسمال لدى طرحه سندات دولية.

وتؤكد الترقيات الأخيرة في التصنيف الائتماني للأردن على مصداقية سياساته الاقتصادية. لقد أقرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، مؤخراً، عدم إجراء أي تغييرات على تصنيف الأردن، ليظل مع «نظرة مستقبلية مستقرة»، واستمرار الأداء الاقتصادي والمالي متصفاً بالمرونة، ما جعله قادراً على مواجهة التطورات الأمنية في المنطقة. وتوقعت الوكالة أن يصل معدل النمو إلى 2.4 في المئة نهاية العام الحالي، على أن يرتفع إلى 2.7 في المئة العامَ المقبل، ثم إلى 3 في المئة عام 2026.

وأشارت «موديز» إلى أن متابعة الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، يعد ركيزة أساسية لضمان استدامة المالية العامة. وقد وصف وزير المالية عبد الحكيم الشبلي قرار «موديز» بأنه «يعكس الثقة التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني، وجدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المستوحاة من رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامج الصندوق». كذلك، أنجز صندوق النقد اتفاقاً مع الأردن على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح المدعوم باتفاق تسهيل «الصندوق الممدد»، وهو يتيح مبلغاً إضافياً قدره 131 مليون دولار من إجمالي حجم البرنامج المعتمد، والبالغ 1.2 مليار دولار.

وطالب الصندوق الأردن بتسريع الإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو أقوى، وخلق المزيد من الوظائف، مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، وإحراز تقدم كبير في تنفيذ «رؤية التحديث الاقتصادي» التي تهدف إلى تحسين مستويات المعيشة للمواطنين. وفي ظل هذه التطورات، أقر مجلس الوزراء مشروعَ قانون موازنة الدولة للعام المقبل، وهي تحمل عجزاً بلغ 2.3 مليار دينار، بما يعادل نحو 3.25 مليار دولار (17.63 مليار دولار للنفقات، مقابل 14.38 مليار دولار للإيرادات).

ويشير هذا العجز إلى استمرار المشكلة التي تثقل كاهل كثير من الاقتصادات في المنطقة. ويبرز المؤشر الآخر متمثلاً في ارتفاع الدين العام الذي يبلغ حالياً نحو 44 مليار دينار، وقد يلامس حاجز 120 في المئة من الناتج المحلي في العام المقبل، مع ارتفاع تكلفة الفوائد المتوقعة لهذا الدَّين إلى 2.2 مليار دينار، لاسيما أن الحكومة تنوي استدانة نحو 8.5 مليار دينار لتغطية عجز الموازنة ولسداد ديون سابقة. ومن الطبيعي أن يعكس استمرار الاستدانة جذور الأزمة الاقتصادية، ويؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على المدى البعيد، ما يضعف قدرةَ الحكومة على مواجهة التحديات المستقبلية.

ومن هنا، تبرز أهمية المساعدات والمنح الخارجية التي يحصل عليها الأردن لدعم موازنته، وهي هبات لا تترتب عليها فوائد، ولا يتوجب سدادها. وقُدرت في موازنة العام المقبل بنحو 734 مليون دينار، وتشكل نسبة 5.9 في المئة من إجمالي النفقات، و1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتبرز الولايات المتحدة كأكبر المانحين بنحو 600 مليون دينار، يليها الاتحاد الأوروبي بنحو 58 مليون دينار، ثم 48 مليون دينار موزعة بين صندوق النقد وبعض الدول الصديقة، وأخيراً رصيد بقية مخصصات المنحة الخليجية بقيمة 28 مليون دينار. وهذا علماً أن إجمالي هذه المخصصات التي بدأت قبل سنوات عدة من ثلاث دول هي السعودية والإمارات والكويت، يزيد على 6 مليارات دولار.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية