بعد أكثر من عقد من الصراع، لا تزال سوريا تمثل ساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي والدولي، بينما تعاني أزمات داخلية متعددة. في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة التحركات العسكرية والسياسية، وازدادت التساؤلات حول دور الميليشيات المسلحة. وما إذا كانت قادرة على تغيير معادلة الصراع. هذه التطورات تثير أسئلة أساسية: من يقف وراء ما يحدث في سوريا الآن؟ ولماذا تتزايد التحركات في هذا التوقيت تحديداً؟
تشهد سوريا تصعيداً في المواجهات العسكرية، حيث يدور القتال في إدلب وأرياف حلب بين قوات النظام المدعومة من روسيا وإيران والفصائل المسلحة، خصوصاً هيئة تحرير الشام.
وتستمر المعارك والقصف في محاولة للسيطرة على هذه المناطق، التي تمثل آخر معاقل المعارضة المسلحة. أما في دير الزور ومحيطها، فتتجدد الاشتباكات بين ميليشيات موالية لإيران، و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط والمياه. وبرغم تراجع تنظيم «داعش» عسكرياً، فإنه لا يزال ينفذ هجمات خاطفة تستهدف قوات النظام، والقوات الكردية في البادية السورية، ما يعقد المشهد الأمني.
والسؤل الذي يطرح نفسه: الميليشيات المسلحة هل يمكنها قلب الطاولة؟ «هيئة تحرير الشام» تعتبر القوة المسلحة الأكبر في شمال غرب سوريا، حيث تدير إدلب عبر ذراعها السياسية، «حكومة الإنقاذ». وتمتلك «الهيئة» أسلحة متطورة وصواريخ مضادة للدروع، لكن تواجه تحديات كبيرة في التوسع خارج مناطق نفوذها بسبب القصف الروسي والضغط الدولي. كما أن «قوات سوريا الديمقراطية» تُحكم السيطرة على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا بدعم من «التحالف الدولي». تمتلك موارد اقتصادية مهمة مثل النفط والمياه، لكنها تواجه ضغوطاً متزايدة من تركيا وصراعات مع الميليشيات الإيرانية.
والميليشيات الموالية لإيران تسيطر على ممرات استراتيجية، وتعمل كذراع عسكرية للنظام السوري. وبدعم من الحرس الثوري الإيراني، تؤدي هذه الميليشيات دوراً رئيساً في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، لكنها تتعرض باستمرار لهجمات إسرائيلية وأميركية. المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا تسيطر على مناطق في شمال سوريا بغطاء عسكري تركي، لكنها تعاني الانقسامات الداخلية وضعف التنسيق. وتركيا تستخدم هذه المعارضة أداة لتحقيق مصالحها الأمنية، والضغط على النظام والقوات الكردية.
فرص وتحديات الميليشيات المسلحة
الفرص: الميليشيات المسلحة قد تستغل ضعف النظام السوري، الذي يعاني أزمات اقتصادية ونقص الموارد. كما أن دعم تركيا والولايات المتحدة للفصائل المختلفة يتيح لها الحفاظ على مواقعها.
التحديات: غياب التنسيق بين الفصائل المسلحة والتفوق الجوي للنظام وروسيا يجعل من الصعب على هذه الفصائل تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة، إضافة إلى ذلك، تصنيف بعض هذه الفصائل إرهابية يحد من فرص الحصول على دعم دولي.
لماذا الآن
هناك تحولات إقليمية من بينها: الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، الذي دفع القوى الإقليمية لإعادة ترتيب حساباتها، بما في ذلك الدور في سوريا. انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، وانشغال موسكو أتاح فرصة لبعض الفصائل لتعزيز مواقعها. الأزمة الاقتصادية السورية، انهيار الليرة، وارتفاع معدلات الفقر يزيد من ضعف النظام ويشجع التحركات العسكرية، بالإضافة إلى تصاعد المنافسة بين إيران وتركيا، فكلا البلدين يسعى لتوسيع نفوذه في سوريا على حساب الآخر.
التقييم العام للوضع
الإيجابيات المحتملة: التحركات المتزايدة قد تؤدي إلى فتح باب جديد للتفاوض بين الأطراف المختلفة. كما أن الضغط على النظام قد يدفعه لتقديم تنازلات سياسية. السلبيات المستمرة استمرار العنف يزيد من معاناة الشعب السوري، وغياب قيادة موحدة للمعارضة يجعل تحقيق مكاسب استراتيجية أمراً صعباً.
الخلاصة أنه رغم أن الميليشيات المسلحة تمتلك قدرات تمكنها من تحقيق مكاسب محدودة، فإن قدرتها على تغيير مسار الصراع بشكل كامل تظل ضعيفة. التفوق العسكري للنظام وحلفائه، إضافة إلى غياب التنسيق بين الفصائل، يجعل المشهد السوري أكثر تعقيداً. التحولات الإقليمية والدولية قد تفتح المجال لحلول سياسية، لكن يبقى السؤال: هل ستؤدي هذه التحركات إلى استقرار حقيقي، أم أنها مقدمة لجولة جديدة من الصراعات؟
*لواء ركن طيار متقاعد