تركز التحليلات العربية المتعلقة بسياسات إدارة دونالد ترامب القادمة، وبشكل مبالغ فيه أحياناً، على أزمات منطقة الشرق الأوسط، معتبرةً أن هذه المنطقة هي محور اهتمامه الرئيسي، إلا أن الوقائع والتصريحات الصادرة عنه وعن أعضاء فريقه تشير إلى أن الشرق الأوسط ليس القضية الأكثر أهمية في أجندته، بل مجرد جزء من مشهد عالمي أوسع.
قد أظهر ترامب اهتماماً أكبر بقضايا أخرى مثل المنافسة مع الصين، وتعزيز النفوذ الأميركي في شرق آسيا، والعلاقة المتوترة مع أوروبا، واتفاقيات الدفاع التقليدية مثل «الناتو»، فضلاً عن الصراع الروسي الأوروبي على مسرح أوكرانيا.
ومن الجدير بالذكر أن ترامب لم يقدم خلال حملته الانتخابية، أو حتى من خلال تصريحاته بعد إعلان فوزه، أي رؤية واضحة حول سياسات إدارته تجاه منطقة الشرق الأوسط، واقتصرت تصريحاته حولها على وعود عامة بحل النزاعات، وهي وعود قابلة للتفسير بطرق مختلفة. ولعل هذا الغموض يعكس طبيعة شخصية ترامب نفسه، خاصة أن هناك تغيرات واضحة طرأت عليها منذ ولايته الأولى.
وإذا نظرنا إلى أولوياته الأخرى، نجد أن المنافسة مع الصين تأتي على رأس اهتماماته، ولا تقتصر هذه المنافسة على التجارة، بل تمتد إلى التحكم في تكنولوجيا المعلومات وتقنياتها الدقيقة، مثل صناعة الرقائق الإلكترونية. السباق من أجل السيطرة على هذه التقنيات يعكس صراعاً عالمياً للهيمنة على الاقتصاد الرقمي، حيث ستكون اليد العليا لمن يمتلك هذه الأدوات. كذلك، تُشكل سلاسل التوريد العالمية محوراً آخر لهذا الصراع، خاصة مع توجه الصين لتعزيز دورها في التجارة العالمية عبر مشاريع استراتيجية، مثل بناء ميناء عملاق في البيرو بأميركا اللاتينية.
العلاقات مع أوروبا تمثل تحدياً آخر لإدارة ترامب، إذ يرى في اتفاقيات الدفاع التقليدية ضمن حلف «الناتو» عبئاً على الولايات المتحدة. وفي المقابل، ينظر إلى روسيا كحليف محتمل وليس كخصم، وهو توجه قد يثير مخاوف أوروبا التي تواجه أزمات داخلية متزايدة تهدد وحدتها.
وبالعودة إلى منطقة الشرق الأوسط، نجد أن ترامب يتعامل مع هذه المنطقة بعقلية «رجل الصفقات». وهذا يتضح من موقف إدارته الأولى تجاه اتفاقية أوباما مع إيران عام 2016، والتي اعتبرها صفقة خاسرة للولايات المتحدة وانتصاراً سياسياً واقتصادياً لطهران وأوروبا. وبالفعل فقد كشفت استراتيجيات الاتحاد الأوروبي حينها عن خطط لتحقيق مكاسب بمليارات الدولارات من إعادة بناء الاقتصاد الإيراني، إلا أن ترامب أجهض هذا الاتفاق باعتباره يتعارض مع مصالح واشنطن الاقتصادية.
ومع ذلك، فقد تكون هناك فرصة الآن لإعادة التفاوض مع إيران، خاصة في ظل وجود تيار إصلاحي داخلها يسعى لتسويات تخدم مصالحه وتُضعف التيار المتشدد، هذه التسويات قد تتطلب استخدام أدوات القوة والضغط لتحقيق الأهداف، وهو نهج لطالما فضّله ترامب في سياسته الخارجية.
وفي النهاية، يتطلّب التعامل مع إدارة ترامب فهماً دقيقاً لأولوياته الكبرى، والتي تشمل صراعَه مع الصين، وتوجهاته حيال أوروبا، ومحاولاته إعادةَ تعريف دور الولايات المتحدة عالمياً.. والشرق الأوسط ليس سوى جزء من هذه المعادلة، وبالتالي فعلى دول المنطقة صياغة رؤية شاملة تشتمل على عروض تخدم مصالح الطرفين وتتناسب مع عقلية الرئيس الأميركي الساعي إلى تحقيق مكاسب لبلده.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا