قلتُ الأسبوع الماضي، إن الضربات التي وجّهتها إسرائيل إلى إيران ووكيلها الأهم «حزب الله»، ستكون لها عواقب وخيمة على التوازن العسكري في المنطقة، ولم يستغرق الأمر سوى أيام قليلة حتى بدأت تلك العواقب في الظهور.
وفي الأثناء، ظهرت تقارير إخبارية تفيد بأن دونالد ترامب يريد أن تكون صراعات المنطقة قد هدأت بحلول موعد وصوله إلى البيت الأبيض، غير أن ذلك طموح غير واقعي ومفرط في التفاؤل. فأولاً وقبل كل شيء، وبالنظر إلى إضعاف «حزب الله» من قبل إسرائيل، تلقت سوريا ضربة قوية خلال الأيام القليلة الماضية، حينما خرج متمردون مناهضون للحكومة من معاقلهم الريفية وهاجموا الجيش من حلب بأكملها تقريباً، وهي ثاني أكبر مدينة في سوريا.
غير أن العديد من هؤلاء المتمردين السوريين ليسوا من فتيان الكشّافة للأسف، فالمجموعة التي تقود الهجوم، «هيئة تحرير الشام»، هي جماعة كانت تتبع لتنظيم «القاعدة» سابقاً. المثير للاهتمام أن تركيا تدعم بعض هذه المجموعات المتمردة وكانت تكبح جماحها. والجدير بالذكر أن تركيا لطالما كانت منافس إيران الرئيسي على الهيمنة الإقليمية. وفي الأثناء، يدور نقاش حاد حالياً داخل القيادة الإيرانية حول من يتحمل المسؤولية عن السماح لـ «حزب الله» بجر إيران و«حزب الله» إلى حرب مدمرة مع إسرائيل - نيابة عن «حماس» - في وقت لم تهاجم فيه إسرائيل «حزب الله». فنتيجة لتلك الحرب، تعرضت قوى «حزب الله» الصاروخية، التي كان من المفترض أن تردع إسرائيل عن قصف منشآت إيران النووية، للتدمير الآن. وفي لبنان، فقدَ «حزبُ الله» الدعم على نحو دراماتيكي، بعد أن كان تحوّل إلى جيش لطائفة لبنانية وفرض نفسه باعتباره الجزء الثالث من ثالوث البلاد المقدس - «الجيش والشعب والمقاومة» - والذي كان يتعين على كل زعيم لبناني أن يقدِّم له الولاء.
ذلك أن إسرائيل نفّذت ضربات «جراحية» جداً أثناء قصفها للبنان، حيث حاولت ضرب الأهداف التابعة لـ «حزب الله» والأحياء الموالية له فقط، وكأنها تبعث برسالة مفادها: «إذا كنتم تعيشون في أماكن موالية للدولة اللبنانية، فأنتم آمنون، أما إذا كنتم في أماكن يسيطر عليها «حزب الله»، فإنكم لستم آمنين»، كما تقول حنين غدار، الخبيرة في شؤون «حزب الله» بمعهد واشنطن.
أما رسالتها إلى الشيعة اللبنانيين، فهي أن ابتعدوا عن «حزب الله» وانضموا إلى الثالوث الجديد: الشعب والجيش والدولة. والواقع أنني لن أقلل من شأن قوة «حزب الله»، غير أنه سيكون مطالباً بإيجاد المال من إيران لدفع تكاليف إعادة إعمار كل الأحياء والقرى التي كان يسيطر عليها والتي أصبحت مدمَّرة الآن. ومن دون تلك الأموال وإعادة إمداد بالسلاح من إيران، ستحاول الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى بكل تأكيد تجريد «حزب الله» من حق النقض الذي يتمتع به في مجلس الوزراء بشأن من سيكون رئيس لبنان المقبل ورئيس وزرائه المقبل. غير أن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى لفت انتباهي إلى أنه تحديداً لأن إيران باتت جريحة الآن، فإنها قد تشعر بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحمي بها نفسها هي اندفاع نحو صنع قنبلة نووية. وعليه، يمكن القول بكل اطمئنان، إن مشاكل الشرق الأوسط لن تكون منتهية حينما يصل ترامب.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
*كاتب وصحفي أميركي