سيظل السؤال المطروح بعد دخول اتفاق «حزب الله» وإسرائيل حيز التنفيذ هل يمتد الأمر إلى قطاع غزة وماذا عن السيناريوهات المطروحة في سياقها السياسي بين إسرائيل وجبهتي لبنان وغزة حيث سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من خلال هذا الاتفاق إلى تخفيف الضغط الداخلي، وتجديد قدرات الجيش الإسرائيلي، لكنه يواجه تحديات كبيرة من المعارضة اليمينية التي اعتبرت الاتفاق تنازلاً خطيراً حيث يدرك نتنياهو أن استمرار الحرب ينهك المقدرات العسكرية والقتالية للجيش الإسرائيلي وتوجيه رسالة إلى المستوى العسكري والسياسي (الجمهور الداخلي) بأن الجيش الإسرائيلي أنهى المهمة المطلوبة، لأن الهدف هو إبعاد «حزب الله» عن جنوب الليطاني، وإضعاف قدراته عبر تدمير كل البنية التحتية في النسق الأول للقرى الجنوبية، وبالتالي إنهاء أي تهديد محتمل كما السابع من أكتوبر، والاتفاق سيحقق ذلك، وإسرائيل أنجزت أكثر من ذلك باغتيال كبار قادة «حزب الله»، لذلك كان القرار الذهاب إلى اتفاق أفضل بكثير من الدخول في حرب استنزاف طويلة ستتعرض خلالها الجبهة الداخلية لاستمرار الاستهداف.
رأى «حزب الله» أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يعزز مكاسبه الميدانية والسياسية، ويضمن استمرار دوره كقوة مقاومة عسكرية في المنطقة. وفي المقابل، سعت إسرائيل إلى اتفاق يمنحها هامشاً واسعاً للتحرك ضد أي تهديد مستقبلي خاصة أن التجارب السابقة تشير إلى هشاشة الاتفاقات الموقعة بين الطرفين بدليل أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب 2006 لم يمنع تصاعد التوترات لاحقاً، وفي ظل غياب ضمانات دولية قوية قد يجعل أي اتفاق جديد عرضة للانهيار في أول اختبار.وقد أظهرت المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» تآكل الردع المتبادل، حيث لم تنجح إسرائيل في القضاء على قدرات الحزب، بينما عجز الأخير عن تحقيق أي إنجاز استراتيجي.
و سعت إسرائيل لضمان أمنها من خلال الالتزام بتطبيق قرارات مجلس الأمن، ومن الواضح أن نتنياهو أراد أن يستثمر في الإنجازات التي قام بها الجيش الإسرائيلي طوال فترة الحرب، وإلا فإنها ستفقد حضورها وقيمتها السياسية والعسكرية عبر إطالة أمد الحرب لأن استمرارية الحرب ستدفع الحزب لتوسيع رقعة استهدافاته، وسيطاول إسرائيل والعمق الإسرائيلي، وسيبقى المستوطنون نازحين.
في كل الأحوال، فإن صمود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان مرهون بتطبيق شروط أساسية، أبرزها تصفية المنظمات المسلحة كما ورد في الاتفاق، وعلى رأسها «حزب الله»، وفرض سيطرة الدولة اللبنانية الكاملة، وهو أمر صعب في ظل عدم قدرة الدولة اللبنانية على تحقيق ذلك نظراً لعدم جاهزية الجيش لضبط الحدود، وضعف قدرته على منع تدفق الأسلحة من سوريا إلى لبنان، كما أن المشكلة الأساسية ليست في صمود الاتفاق، بل في قدرة «حزب الله» على إعادة تسليح نفسه رغم الالتزام بالاتفاق وقد يلتزم «حزب الله» - ولبعض الوقت- بعدم نشر أسلحته جنوبي نهر الليطاني، لكن ذلك لا يمنعه من تعزيز قدراته شمالي النهر، حيث يمكنه إطلاق صواريخ من أي مكان في لبنان، وذلك في ظل غياب الرقابة على الحدود اللبنانية السورية، وفي ظل مواجهة «حزب الله» للعديد من التحديات والمخاطر خاصة على مستوى الجبهة الداخلية، مع ما تعرض له لبنان من عمليات عسكرية أضرت بالبنية الأساسية، وبروز أصوات سياسية متعددة في لبنان، تتهم الحزب بأنه جر لبنان للدمار، والحرب وضرب البنية الأساسية.
في خضم ذلك، جاءت الضغوط الأميركية المتزايدة على الحزب، الذي كان قد فوض رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتفاوض مع الإدارة الأميركية نيابة عنه، وقد وجد «حزب الله» نفسه في مواجهة ضغوط متفاقمة، للاستجابة للمبادرة والقبول بوقف إطلاق النار، مدفوعاً بالخسائر التي تكبدها لبنان، والتي تجاوزت وفق بعض التقديرات الخمسة مليارات دولار، في وقت يعاني فيه لبنان حتى من قبل الحرب من أزمة اقتصادية كبيرة.
وفي سياق مرتبط بقطاع غزة يتطلب أي تحرك راهن أو محتمل في ملف وقف إطلاق النار في غزة عقب توقيع الاتفاق بين «حزب الله» وإسرائيل إعادة ترتيب مسارات التحرك تجاه ملف صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، وبهدف التوافق بين كل الأطراف المعنية على خطوط عريضة بشأن تصورات الرئيس الأميركي المنتخب لوقف الحرب في القطاع وضرورة إقدام الوسطاء على التنسيق المباشر مع الحكومة الإسرائيلية في ملف وقف إطلاق النار خاصة، وأن «حماس» باتت مهيأة تماماً لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، وهو ما يجب التحرك عليه حيث باتت الظروف مناسبة للضغط على شخص نتنياهو للقبول بتنفيذ الصفقة، ووجود توافقات بشأن حالة الرأي العام في إسرائيل التي تطالب باتفاق مشابه لما تم مع «حزب الله».
وأشارت استطلاعات الرأي إلى استمرار الانقسام ما بين مؤيد ومعارض لاستمرار الحرب في غزة مع وجود توجه للحكومة الإسرائيلية للعمل مع إدارة الرئيس ترامب وفق دعوته بوقف إطلاق النار على جبهتي لبنان - غزة وتصفير صراعات الإقليم.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.