تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في القيادة الحكيمة والرؤية المستقبلية، إذ استطاعت الانتقال من بدايات متواضعة إلى مصاف الدول التي تقود التنمية المستدامة والابتكار عالميّاً. وقد وضع المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والآباء المؤسسون، رؤية طموحة ترتكز على تطوير الإنسان بصفته أهم عنصر في بناء الوطن، إلى جانب تحقيق الوحدة الوطنية، والاستثمار في المستقبل.
ومنذ البداية آمن الشيخ زايد والشيخ راشد بأن بناء الإنسان هو الركيزة الأساسية لأي تنمية مستدامة، ولذلك كان التعليم والصحة وتمكين المواطن الإماراتي من تحقيق ذاته في مقدمة الأولويات الوطنية، ووُجِّهت استثمارات ضخمة لإنشاء منظومة تعليمية عالمية المستوى تُعِدّ الأجيال لمواجهة التحديات المستقبلية، والمشاركة في الاقتصاد المعرفي العالمي.
كما أولت القيادة الإماراتية اهتماماً بالغاً بالقطاع الصحي لضمان رفاهية المواطن، فأمرت بإنشاء مستشفيات ومراكز طبية متطورة توفر خدمات عالية الجودة، وكان ذلك جزءاً من رؤية شاملة تَعُد المواطن أغلى موارد الدولة.
وعند إعلان اتحاد الإمارات في عام 1971 كانت الدولة تواجه تحديات كبيرة، مثل الموارد الشحيحة، والبنية التحتية المحدودة. ورغم ذلك وضع الشيخ زايد والشيخ راشد خططاً طموحة ترتكز على استثمار عائدات النفط بحكمة، ليس لتطوير البنية التحتية مثل الطرق والموانئ والمطارات فقط، بل لتعزيز قطاع التعليم، وتطوير الكفاءات البشرية أيضاً.
وقد تمثل هذا الالتزام بتنمية الإنسان في إنشاء برامج لتأهيل الكوادر الوطنية على أعلى المستويات، وتوفير فرص متكافئة للجميع، وضمان تمكين المرأة التي أصبحت شريكاً رئيسيّاً في مسيرة التنمية المستدامة.
لقد آمن الشيخ زايد والشيخ راشد بأن بناء اقتصاد مستدام يعتمد على الإنسان المبدع، ولذلك كان هناك تركيز على تطوير التعليم في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ما أتاح لدولة الإمارات التفوق في قطاعات مثل الاقتصاد الدائري، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي. ويُعد الاقتصاد الدائري مثالاً واضحاً على التزام دولة الإمارات بمستقبل مستدام، إذ إنها تحرص على تقليل النفايات، وتحقيق كفاءة في استخدام الموارد، وخلق فرص عمل جديدة قائمة على الابتكار. وتؤكد هذه الرؤية إدراك المؤسسين لأهمية تمكين الإنسان ليكون قائداً للتغيير.
وتُعد دولة الإمارات اليوم نموذجاً عالميّاً في التحول إلى الاقتصاد المعرفي، فقد أدت الاستثمارات الباكرة في البنية التحتية إلى ريادة الدولة في أنظمة النقل الذكية والمركبات الذاتية القيادة. كما أن الطموح في استكشاف الفضاء، من «مسبار الأمل»، إلى «المستكشف راشد»، يعكس رؤية بعيدة المدى لبناء أمة تصنع المعرفة، وتسهم في تطور الإنسانية.
إن قصة الإمارات هي قصة بناء الإنسان قبل أي شيء آخر، وقد أثبتت قيادتها أن الاستثمار في المواطن هو الاستثمار الأكثر استدامة. ويُظهِر التحول، الذي شهدته الدولة من اتحاد ناشئ إلى قوة عالمية، إرث الشيخ زايد والشيخ راشد، اللذين وضعا الإنسان في قلب خطط التنمية، ولا تزال رؤيتهما المتكاملة للتنمية الإنسانية، والاستدامة، والابتكار تلهم الأجيال، وتؤكد أن بناء الأمم يبدأ ببناء الإنسان.
* عميد البحوث بالجامعة البريطانية في دبي