يشهد لبنان مرحلة مفصلية بعد إعلان قرب توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، مما يعكس ضغوطاً دولية وإقليمية لإعادة ضبط الأوضاع في هذا البلد المحوري. يأتي هذا الاتفاق في ظل أزمات سياسية، اقتصادية، وأمنية متشابكة، فضلاً عن الضرر الكبير الذي لحق بالعديد من الممتلكات الخاصة. ومع الحديث عن إمكانية نزع سلاح «حزب الله»، تبرز تساؤلات حول تأثير ذلك على استقرار لبنان ومستقبله، وإمكانية تقديم مساعدات دولية لإعادة الإعمار.
وعن الأبعاد السياسية لوقف إطلاق النار وإمكانية نزع سلاح «حزب الله»، فإن اتفاق وقف إطلاق النار، يمثل فرصة لتهدئة الصراع الميداني، لكنه يكشف أيضاً عن تعقيدات سياسية بين الأطراف اللبنانية. ونجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى التزام القوى المحلية المدعومة من الخارج بالتهدئة.
وبخصوص نزع سلاح «حزب الله»، فإن هذا الأخير يعتبر أحد أبرز الأطراف المسلحة في لبنان، ونزع سلاحه يُنظر إليه كخطوة حاسمة نحو تحقيق استقرار سياسي وأمني. هذا الإجراء قد يؤدي إلى: تعزيز سيادة الدولة اللبنانية من خلال توحيد السيطرة العسكرية بيد الجيش اللبناني، وإعادة الثقة الإقليمية والدولية في قدرة لبنان على تحقيق استقرار داخلي من دون النفوذ العسكري للأطراف الخارجية، وقد يؤدي أيضاً إلى مواجهة تحديات داخلية، قد يثير نزع السلاح اعتراضات من مؤيدي «حزب الله» أو حتى انقسامات داخلية جديدة.
التهدئة تمنح الجيش اللبناني فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه الأمنية وممارسة دوره بفاعلية. وفي الوقت نفسه، تعتبر التهدئة اختباراً لمدى قدرة الأطراف الأخرى، خصوصاً الجماعات المسلحة، على الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
ومن الناحية الأمنية، قد يؤدي نزع سلاح «حزب الله» إلى تقليل مخاطر النزاعات المسلحة الداخلية. ومع ذلك، قد تواجه الدولة اللبنانية تحديات في استيعاب القوى العسكرية التابعة للحزب، مما يستدعي وضع آليات انتقالية تضمن الاندماج السلمي.
أما الأبعاد الاقتصادية، وما إذا كانت فرصة للنهوض أم استمرار المعاناة؟ فإن تأثير وقف إطلاق النار، أو إبرام هدنة، أمر قد يتيح لبعض القطاعات الاقتصادية، خاصة في المناطق المتضررة، استعادة نشاطها، مثل التجارة والزراعة، قد يؤدي الاتفاق إلى تدفق مساعدات إنسانية عاجلة من الجهات الدولية والإقليمية.
وعن إعادة «الإعمار»، فإن الضرر الحالي يتركز بشكل كبير في الممتلكات الخاصة، وليس الحكومية، مما يجعل الحاجة لإعادة الإعمار مسؤولية ثقيلة تتطلب دعماً دولياً.
والدول الداعمة كدول الخليج، مثل السعودية والإمارات، قد تسهم في إعادة إعمار المناطق المتضررة، بشرط تحقيق استقرار أمني وسياسي.
والدعم الأوروبي والدولي، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية قد يكونان حاضرين ببرامج إعادة إعمار، لكن ذلك يتوقف على إصلاحات سياسية واقتصادية داخلية تضمن شفافية توزيع المساعدات.
لكن اعتماد لبنان على المجتمع الدولي قد يصطدم بالعراقيل السياسية، خاصة إذا لم يتم نزع سلاح «حزب الله»، الذي قد يُعتبر عائقاً أمام تقديم مساعدات واسعة النطاق.
وحول الأثر الاقتصادي لنزع السلاح، فإن تقليص نفوذ «حزب الله» قد يفتح الأبواب أمام استثمارات خارجية كانت تتجنب التوترات الأمنية، كما أن إعادة توجيه الموارد الوطنية نحو التنمية بدلاً من الإنفاق على الصراعات المسلحة قد يعزز الانتعاش الاقتصادي.
وثمة سؤال يطرح نفسه: هل لبنان نموذج للتهدئة الإقليمية؟
وقف إطلاق النار في لبنان قد يكون جزءاً من جهود إقليمية لتهدئة التوترات بين القوى الكبرى. كما أن نزع سلاح «حزب الله» قد يمثل رسالة قوية عن إمكانية تحقيق حلول سياسية سلمية للنزاعات في المنطقة، مما يؤثر إيجابياً على استقرار دول الجوار.
وعند قراءة السيناريوهات المحتملة، فإن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار ونزع السلاح، سيؤدي إلى استقرار أمني وسياسي داخلي، ويفتح المجال لبدء عملية إعادة إعمار مدعومة دولياً تُركز على الممتلكات الخاصة. أما فشل الهدنة وبقاء سلاح «حزب الله»، فيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية واندلاع موجات عنف جديدة، واستمرار عزوف الدول المانحة عن تقديم دعم لإعادة الإعمار.
أما نجاح الهدنة من دون حدوث نزع سلاح «حزب الله»، فسيؤدي إلى تهدئة مؤقتة، لكن من دون معالجة جذرية للأزمة الأمنية والسياسية، كما أن المساعدات الدولية ستظل محدودة في ظل غياب إصلاحات شاملة.
ويمثل اتفاق وقف إطلاق النار خطوة ضرورية لتجنب التصعيد العسكري، لكنه يبقى مؤقتاً إذا لم يترافق مع معالجة القضايا الأساسية، وأبرزها نزع السلاح غير الشرعي وتعزيز دور الدولة. وإعادة الإعمار ستكون تحدياً حقيقياً، إذ إن الضرر يتركز في الممتلكات الخاصة، مما يتطلب تنسيقاً بين الحكومة اللبنانية والدول المانحة.
نزع سلاح «حزب الله» يشكل تحدياً وفرصة في الوقت ذاته. نجاحه يعتمد على إرادة داخلية صادقة ودعم إقليمي ودولي، مع ضمانات بعدم تحول لبنان إلى ساحة صراع جديد. تحقيق الاستقرار وبدء إعادة الإعمار سيعيد للبنان دوره التاريخي كمنارة ثقافية واقتصادية في المنطقة.
*لواء ركن طيار متقاعد