المقاومة يفترض بها حماية الشعب، وحركات التحرر في طول العالم وعرضه إنما حاربت المستعمر لأجل الشعب وباسمه ولحمايته، في رؤوس الجبال كما في الجزائر أو في الصحراء كما في ليبيا وعمر المختار أو في الغابات كما جرى في فيتنام، ولكن النسخة العربية من تلك المقاومة نسخةٌ مشوهةٌ وقاسيةٌ ومقلوبة رأساً على عقب.
لنأخذ مثالين مهمين ومعبرين عن الفكرة، حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» اللبناني في لبنان، فحركة «حماس» هي فصيلٌ تابعٌ بالكلية لجماعة «الإخوان» فكراً ومبادئ وعناصر وتنظيماً، والأيديولوجيا لديها أهم من البشر، ولهذا فهي لا تتحرك لخدمة الشعب الفلسطيني ولا باسمه ولا لحمايته، بل لخدمة أجندةٍ إقليميةٍ عابرةٍ للحدود ولتنفيذ أيديولوجيا جماعة «الإخوان»، والشعب الفلسطيني لا يعني أي شيء بالنسبة لحركة «حماس» إلا لاستخدامه في تحقيق هذه الأهداف، ولذلك فقادة «حماس» ومنهم محمود الزهار يصرحون بأن فلسطين لا تعني شيئاً لـ«حماس».
«حزب الله اللبناني هو أحد نماذج حركات الإسلام السياسي، ولكن بنكهةٍ شيعيةٍ، فهو ينتمي لحركات الإسلام السياسي الشيعية التي تقودها «الثورة الإسلامية» ومن هنا فأيديولوجيا هذه الثورة أهم من البشر، وهو لا يتحرك لخدمة الشعب اللبناني ولا باسمه ولا لحمايته، بل لخدمة أجندة إقليمية عابرةٍ للحدود ولتنفيذ أيديولوجيا الثورة، والشعب اللبناني لا يعني أي شيء بالنسبة لـ«حزب الله» إلا لاستخدامه في تحقيق أهداف الثورة، وقادة «حزب الله» يصرحون مراراً وتكراراً بأن لبنان وشعبه لا يعني لهم أي شيء.
إلى هنا فالفروق واضحةٌ وضوح الشمس بين هاتين الحركتين من جهةٍ وكل حركات التحرر الوطني في شرق العالم وغربه، ولكن الأنكى والأخطر هو أن هاتين الحركتين تتبعان نهجاً واحداً على الدوام ولسنواتٍ طويلةٍ يقوم على مبدأ التستر بالمدنيين من شعبيهما، بمعنى أنهما يخبئان الصواريخ والأسلحة تحت مساكن المدنيين حتى إذا قصفت يموت أكبر عددٍ ممكن من الشعب الفلسطيني أو اللبناني، وهما حركتان تحفران الأنفاق العميقة والطويلة ليختبئ فيها قادتها وعناصرها حين يفرون من المواجهة ويتركون شعبيهما نهباً لكل أسلحة القتال الحديثة والنوعية تمزقهم جراحاً وقتلاً وتدميراً.
مفهوم أن يختار البعض القتال تحت مبرراتٍ مختلفةٍ أيديولوجية أو سياسيةٍ أو غيرها، ولكن غير المفهوم هو أن يدعي الشجاعة ثم يختبئ خلف العجائز والأطفال حتى يضمن أن يموتوا هم ويحيا هو، وهذه في كل أديان البشر وأعرافهم لا تسمى إلا باللؤم وغيره من المعاني التي تعبر عن انعدام الأخلاق بشكلٍ غير مسبوقٍ في تاريخ البشر.
كتب أمين معلوف حكمةً سائرةً في وصف مثل هذه الحالة العجيبة الغريبة قائلاً: «لأن لهم دين، يظنون أنهم معفون من أن تكون لهم أخلاق» والأيديولوجيا لا تحمي كرامة الإنسان حين يرتكب الرذائل باسمها، فالغدر قبيحٌ، ومهما ساقت هذه الجماعات والحركات والأحزاب من أدلة لتبرر ارتكابها للرذائل الأخلاقية وتبرر طعنها لشعوبها في الظهر فإنها توغل في إدانة نفسها لدى العقلاء من البشر.
الحديث عن تعرية الخطابات الأيديولوجية وانعدام الجانب الأخلاقي لديها من حيث المبادئ والأفكار حديثٌ طويل الذيل، وهو مهمٌ وله سياقٌ آخر، ولكن الأهم اليوم هو «الشعب» و«المجتمع» و«الأفراد» الذين تقدمهم هاتان الحركتان قرابين بين يدي الأيديولوجيا ليقتلهم القريب والبعيد، الصديق والعدو، أين هؤلاء الناس؟ لماذا لا يتحدثون؟ لماذا لا يعبرون عن رفضهم أن تصبح نفوسهم وحياتهم وعائلاتهم نهباً بيد مدعي الشجاعة وكذبة المقاومة وأفاقي الجهاد؟
أخيراً، فواجبٌ كبيرٌ على كافة وسائل الإعلام إظهار أصوات هؤلاء المظلومين وإبراز مواقفهم وتعليقاتهم بعد كل قصفٍ أو استهدافٍ حتى يسمع الناس كافة، أصواتهم.
*كاتب سعودي