مع عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، تتجدد التساؤلات حول الكيفية التي سيؤثر بها أسلوبُه على السياسات الأميركية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ومن خلال استعراض تجاربه السابقة، إضافةً إلى ما كشفه بوب وودوورد في كتابه «Rage»، تتضح معالم أسلوب ترامب في اختيار طاقم إدارته، وهو أسلوب ينعكس بشكل مباشر على قراراته تجاه قضايا الشرق الأوسط التي ما زالت تعاني تعقيدات وتأزمات مختلفة. ووفقاً لوودوورد، يَظهر ترامب قائداً يعيد تشكيل طاقمه بمنظور «رجل الصفقات»، حيث ينظر إلى إدارته كفريق عمل ينبغي أن يخدم رؤيتَه لا العكس. وفي هذا الإطار، يعمل ترامب على جلب الأشخاص الموالين لأسلوبه، وهو أسلوب يميل للوضوح والصرامة. وتتسق هذه النظرة مع اعتماده على شخصيات من خلفيات تجارية، كما رأينا في إدارته الأولى مع

وزراء مثل ريكس تيلرسون الذي جاء من عالم شركات النفط، ورجل الأعمال جاريد كوشنر الذي كان له تأثير مباشر على بعض ملفات السياسة الخارجية. وباختيار ترامب الآن فريقاً مشابهاً في إدارته الثانية، فإن ذلك قد يعني نهجاً مشابهاً في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية، بحيث يضع المصالح الاقتصادية والأمنية المباشرة على رأس الأولويات، غير عابئ كثيراً بالمعادلات التقليدية التي اعتادت عليها الولايات المتحدة في مجال العلاقات الخارجية.

رؤية ترامب للسياسة الخارجية تبدو اقتصاديةً بالدرجة الأولى، مدفوعة بمبدأ «ماذا سنجني من هذا؟»، وترى أن العلاقة مع الحلفاء الخارجيين ليست سوى صفقة يجب أن تجلب عوائدَ ملموسةً للولايات المتحدة. ويمثل دعم تيار اليمين لترامب عاملاً مهماً في فهم استراتيجياته الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط. فهذا اليمين الذي يعد إحدى أكبر الكتل الداعمة لترامب، يرى في دعم إسرائيل ركيزةً أساسية للسياسة الخارجية الأميركية. وكان لهذا الدعم أثر كبير في العديد من القرارات التي اتخذها ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، وبعضها كان مثيراً للجدل، لكنه عكس رغبةً في إرضاء اليمين كقاعدة سياسية مؤثرة. وترامب، بصفته سياسياً، ورجل أعمال أيضاً، يدرك أهميةَ هذه الكتلة ويستثمر دعمَها سياسياً، ما يجعل مواقفه تجاه إسرائيل وأمنها تكاد تكون ثابتة، بغض النظر عن المصالح السياسية المتغيرة. وفي ضوء هذه المعطيات، قد تُشكّل التركيبة الجديدة لإدارة ترامب الثانية تحدياً لبعض القوى الفلسطينية التي كانت تأمل بحدوث تغييرٍ في السياسة الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط. ويبدو أن موضوعات مثل القضية الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، والعلاقات التجارية مع الصين.. إلخ، ستشهد مواقف مباشرة غير مبنية على تفاوضات عميقة.

والسبب أن ترامب، في رئاسته الثانية، ربما يكون أقل اهتماماً بمعادلات المدى البعيد، وأكثر اهتماماً باتفاقيات تحمل طابعَ الربح السريع، سياسياً كان أم اقتصادياً. وفي نهاية المطاف، سيظل الشرق الأوسط ساحة اختبارات صعبة لإدارة ترامب، ذلك أن هذه المنطقة لم تعد ذات أولوية واضحة للإدارات الأميركية الأخيرة، خلافاً لما كان عليه الأمر في السابق، رغم اهتمامها الدائم بقضايا الطاقة والأمن. ومن هنا، نجد أن توجهات ترامب في إدارته الجديدة، إذا ما استمرت في الاعتماد على دعم اليمن والتركيز على المصالح الاقتصادية، قد تدفع بالمنطقة نحو مزيد من التحالفات المؤقتة دون الوصول إلى حلول للأزمات الممتدة.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا