الطفرة في الإنفاق العام التي وعدت بها أول حكومة «عُمالية» في بريطانيا منذ 14 عاماً ستخلق ما يُطلق عليه «جرعة إنعاش سكرية مؤقتة» من النمو الذي سيتلاشى لاحقاً. إنه تعبير غير موفق، لكنه مفهوم. ففيما يتعلق بالبنية التحتية المتداعية، يُفضل اعتبار مبلغ الـ 100 مليار جنيه إسترليني (130 مليار دولار) من الاستثمارات الرأسمالية التي تم الإعلان عنها في الميزانية الأسبوع الماضي، كدفعة بروتينية. وعلى المدى الطويل، هذا المبلغ ليس كافياً بأي حال من الأحوال.
هذا الإنفاق من شأنه أن يرفع صافي استثمار القطاع العام في بريطانيا ليبلغ في المتوسط 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الخمس لهذا البرلمان. وهذه زيادة طفيفة فقط عن معدل 2.5% الذي حققته بريطانيا في هذا القرن. كما أنها أقل بكثير من متوسط 3.7% للاقتصادات المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الفترة ذاتها، وفقاً لمؤسسة «ريزوليوشن فاونديشن». وفي تقرير لها العام الماضي، قالت مؤسسة الأبحاث التي تتخذ من لندن مقراً لها، إن الهدف الأولي المعقول للمملكة المتحدة سيكون 3%.
سيكون الإنفاق مكثفاً في البداية، وهذا يعني أن الاستثمار سيتراجع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية ولاية حزب العمال (ما لم تعد الحكومة لتطلب المزيد في هيئة زيادات ضريبية إضافية واقتراض، كما يتوقع بعض خبراء الاقتصاد). ومن هنا جاءت صورة «جرعة الإنعاش المؤقتة». ومع ذلك، لا يحتوي السكر على أي مغذيات. فهو يوفر دفعة مؤقتة من الطاقة، وبمجرد زوال تأثيره، قد ينهار الجسم. ومن ناحية أخرى، يعمل البروتين على بناء العظام والعضلات. وستظل المدارس والمستشفيات والطرق التي يتم إصلاحها أو تشييدها قائمة بمجرد أن تبدأ الأموال في النفاد. ومثل هذا الاستثمار لا يُهدر.
ما إذا كانت التدابير لزيادة الإيرادات ستحفز الاستثمار وتدفع بالنمو أم أو ستفرض الضرائب على الأعمال التجارية الخاصة حتى تقضي عليها، هذا يعتمد على فلسفتك السياسية والاقتصادية. كتب جيمس دايسون، الملياردير ومالك شركة دايسون للأجهزة المنزلية وأغنى رجل في البلاد، في صحيفة «التايمز» اللندية أن الخطط المالية «الانتقامية» لحزب «العمال» ستؤدي إلى «موت ريادة الأعمال» وستقضي على النمو. ربما يكون ذلك صحيحاً. ما لا شك فيه هو أن المملكة المتحدة هي دولة منخفضة الاستثمار، وقد ارتبطت هذه النزعة بضعف إنتاجيتها منذ الأزمة المالية العالمية. من الصعب تصور خروج بريطانيا من ركود النمو المنخفض حتى يتغير هذا الوضع.
في هذا الصدد، تمثل خطط الإنفاق التي طرحتها وزيرة الخزانة «راشيل ريفز» على الأقل محاولة لطي صفحة هذا السجل الكئيب. على سبيل المثال، سيرتفع الاستثمار الرأسمالي في الخدمة الصحية الوطنية (NHS) بمقدار 13.6 مليار جنيه إسترليني على مدى عامين، أو بنسبة 10.9% بالقيمة الحقيقية. سيحصل التعليم في إنجلترا على زيادة حقيقية بنسبة 19% في التمويل الرأسمالي إلى 6.7 مليار جنيه إسترليني في 2025-2026. كما التزم حزب «العمال» بإكمال مشروع تحديث طريق «ترانسبينين»، الذي يربط شرق إنجلترا بغربها، والذي طالما واجه شكاوى حول الخدمة الضعيفة والتأجيلات، وتمديد خط HS2 عالي السرعة إلى محطة يوستون في لندن، من بين مشاريع النقل الأخرى.
سيتم استثمار أموال هيئة الخدمات الصحية لتغطية تكلفة مراكز الجراحة وأجهزة التصوير الطبي وآلات العلاج الإشعاعي، مما سيوفر القدرة على إجراء أكثر من 30000 عملية إضافية وإجراء أكثر من 1.25 مليون اختبار تشخيصي. من الصعب أن تكون منتجاً في عملك إذا لم يكن لديك المعدات اللازمة، أو في حالة الطرق والسكك الحديدية، إذا لم تتمكن من الوصول إلى عملك في وقت معقول، أو إذا كنت عالقاً في قوائم الانتظار الطويلة بانتظار عملية جراحية، أو إذا كان المستشفى معرضاً لخطر الانهيار. الميزانية تشمل أكثر من مليار جنيه إسترليني لمعالجة الخرسانة المعرضة للتلف والمعروفة باسم الخرسانة الخلوية المُقوّاة (RAAC)، كجزء من برنامج أوسع للتعامل مع الصيانة والإصلاحات والتحديثات الضرورية عبر منشآت هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
إلى أي مدى سيصل هذا المبلغ؟ ليس بعيداً جداً. بلغت تكلفة تصفية متأخرات الصيانة لدى هيئة الخدمات الصحية 11.6 مليار جنيه إسترليني اعتباراً من ديسمبر الماضي. وفي الوقت نفسه، لا تقتصر الخرسانة الخلوية المعرضة للتلف على المستشفيات. في العام الماضي، أمرت الحكومة بإغلاق أكثر من 100 مدرسة وكلية في إنجلترا بعد العثور على مبانٍ معرضة للانهيار بسبب استخدام هذه الخرسانة خفيفة الوزن التي استُخدمت حتى منتصف التسعينيات وتبلغ مدة صلاحيتها التقديرية من 30 إلى 40 عاماً فقط. تشمل ميزانية التمويل الرأسمالي مبلغ 1.4 مليار جنيه إسترليني لإعادة بناء المدارس.
يعد نقص الاستثمار في بريطانيا في الإسكان، خاصةً في الإسكان الميسور التكلفة، عقبة أخرى أمام الإنتاجية. ويرجع ارتفاع أعداد المصابين بأمراض مزمنة في البلاد إلى انتشار السكن رديء الجودة، الأمر ما يهدد الصحة العقلية والشعور بالأمان. وقد تعهدت وزيرة الخزانة بتخصيص مليار جنيه إسترليني لإزالة الطلاءات الخطرة من المباني، في أعقاب نتائج التحقيق في حريق برج جرينفيل المميت.
الأمر لا يتعلق بالمال فقط. فمستويات الاستثمار في بريطانيا، فضلاً عن كونها منخفضة جداً، تتسم أيضاً بتقلبات شديدة. ويمكن إلقاء اللوم على الضغوط السياسية قصيرة الأجل. كما قالت مؤسسة ريزوليوشن فاونديشن، فإن إلغاء جسر غداً أسهل بكثير من تسريح ممرضة اليوم. وقد حاول حزب العمال إحداث تغيير هنا، حيث تعهد بوضع ميزانيات رأسمالية لمدة خمس سنوات وتمديدها كل عامين لتجنب «حواف الهاوية» التمويلية وتوفير مزيد من اليقين. هذه خطوة إيجابية، وفقاً لجيمس سميث، مدير الأبحاث بالمؤسسة.
بشكل عام، فإن تحقيق استثمارات إضافية بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني في ظل موارد مالية عامة متوترة هو إنجاز ليس بالبسيط، كما أشار سميث. ومن الواضح أن التحدي سوف يتمثل في الحفاظ على هذه المستويات الأعلى وإنفاق المال على النحو المقصود وليس على تقارير الاستشاريين والنفقات العامة. قد يكون من الصعب على البعض تقبل ميزانية حزب «العمال». لكنها ليست طعاماً غير صحي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»