قبل عام، كان من غير المعقول أن تهاجم إسرائيل وإيران أراضي بعضهما البعض بشكل مباشر. كانت الدولتان في حالة حرب سرية لسنوات، حيث استهدفت إسرائيل علماء نوويين إيرانيين وقوافل إمدادات إيرانية في سوريا وما شابه ذلك، بينما رعت إيران هجمات بالوكالة على إسرائيل من قبل «حماس» و«حزب الله»، وجماعات مسلحة أخرى.. لكن، كانت الدولتان تمتنعان عن قصف إحداهما الأخرى بشكل مباشر. والآن، أصبح ما كان لا يمكن تصوره أمراً روتينياً.
لقد تجاوزت إيران الخطَّ الأحمر في 13 أبريل عندما أطلقت نحو 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل رداً على غارة جوية إسرائيلية في دمشق استهدفت مجمع السفارة الإيرانية، وأدت إلى مقتل سبعة ضباط من الحرس الثوري الإيراني. ولم تعترض أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية الهجوم الإيراني فحسب، بل وأيضاً أنظمة الدفاع الجوي الأميركية في المنطقة. وقد سمح هذا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاكتفاء بغارة جوية على إيران في 19 أبريل.
ثم تكرر النمط: في الأول من أكتوبر الجاري، شنت إيرانُ ضربةً صاروخيةً أخرى ضد إسرائيل، هذه المرة رداً على الهجمات الإسرائيلية ضد «حزب الله» و«حماس»، بما في ذلك اغتيال زعيم «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران بشكل محرج. وهذه المرة، استخدمت إيران صواريخ باليستية، وهي أسرع، ولا تسمح سوى بتحذير أقل قياساً إلى الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة التي شكلت الجزء الأكبر من هجوم أبريل. لكن مرةً أخرى، نجحت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، إلى جانب الدفاعات الجوية الأميركية، وإلى حد كبير، في التصدي لها. وعلى الرغم من أن بعض الصواريخ الإيرانية أصابت قواعد عسكرية إسرائيلية، فإن الأضرار كانت طفيفة.
كان العالم ينتظر بترقب رؤيةَ كيف سترد إسرائيل. ومرة أخرى، ضغط الرئيس الأميركي جو بايدن على نتنياهو للحد من حجم الرد، حتى أنه أرسل بطاريةَ دفاع صاروخي من طراز «ثاد» إلى إسرائيل، يديرها 100 من أفراد القوات الأميركية، كنوع من الدعم. وكانت الرسالة الضمنية: ستقوم الولايات المتحدة بحماية إسرائيل، لكن يتوجب عليها عدم توسيع الصراع الإقليمي.
وخلال ليل الجمعة في الولايات المتحدة (في وقت مبكر من صباح يوم السبت في الشرق الأوسط)، أطلقت إسرائيلُ هجومَها المضاد الذي طال انتظاره، حيث اخترقت طائرات مقاتلة إسرائيلية المجال الجوي الإيراني بنجاح، مستهدفةً الدفاعات الجوية الإيرانية ومواقع إنتاج الصواريخ. واستجابةً لضغوط إدارة بايدن، لم يستهدف نتنياهو منشآت النفط الإيرانية أو المواقع النووية، وهو القرار الذي ينتقده المتشددون في إسرائيل. وفي الخفاء، حثت كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة إيرانَ على التراجع وإنهاء الجولة الحالية من الأعمال العدائية المتبادلة.
ويبدو أن المنطقةَ بأسرها على شفا بركان. ربما نكون قد تجنبنا انفجاراً كبيراً مرةً أخرى، لكن ربما يكون ذلك بشكل مؤقت فقط؛ فالحرب الواسعة في الشرق الأوسط، والتي يخشاها الكثيرون، قد بدأت بالفعل. يبقى فقط أن يتم تحديد مدى شدتها ونطاقها. ومن خلال استهداف مواقع الدفاع الجوي الإيرانية، جعلت إسرائيل إيرانَ أكثرَ عرضةً لضربات جوية إسرائيلية مستقبلية إذا هاجمت إيران إسرائيل مرة أخرى، أو إذا رضخت حكومة نتنياهو لضغوط اليمين وقامت بتوجيه ضربة أكثر حسماً.
«ربما نكون قد تجنبنا رصاصةً رمزيةً هذه المرة، لكننا دخلنا أيضاً في منطقة خطر مختلفة»، كما كتب الدبلوماسي الأميركي المخضرم «آرون ديفيد ميلر» على منصة «إكس»، حيث أضاف: «لقد اتسعت قدرة كل من إسرائيل وإيران على تحمل المخاطر. والآن يرى كل منهما أنه من الممكن تجنب الحرب الشاملة حتى بعد الضربات المباشرة على أراضي الآخر. وهذه هي منطقة الخطر».
وجاء الضغط الرئيسي لتجنب المزيد من التصعيد من إدارة بايدن، التي تدرك تماماً أن إيران تستطيع إغلاق مضيق هرمز، على الأقل بشكل مؤقت، واستهداف القوات الأميركية في المنطقة، بالإضافة إلى المنشآت الحيوية الأخرى. وإذا فعلت إيران ذلك، فإنها ستوجه ضربةً كبيرة للاقتصاد العالمي. وهذا آخر ما يرغب بايدن في رؤيته، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لكن بعد الانتخابات، مهما حدث، فإن بايدن سيكون «بطة عرجاء» (مصطلح أميركي يشير إلى ضعف قدرة الرئيس المنتهية ولايته)، وستتضاءل قدرتُه على ممارسة الضغط على إسرائيل. وفي حال فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس، في انتخابات الخامس من نوفمبر القادم، من المتوقع أن تستمر في الضغط لتخفيف التوترات. لكن ماذا سيحدث إذا كان الفائز هو الرئيس السابق دونالد ترامب؟ ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن ترامب قال لنتنياهو، في إحدى محادثاتهما الأخيرة، في إشارة إلى حروب إسرائيل ضد «حماس» و«حزب الله»: «افعل ما يجب عليك فعله».
وخلال فترة رئاسته، كان ترامب حريصاً على تجنب صراع مباشر مع إيران. ففي خريف عام 2019، ألغى فجأةً تنفيذَ غارة جوية أميركية كان مخطَّطاً لها ضد إيران رداً على إسقاط طائرة أميركية من دون طيار، ولم يَرد على هجوم ضد منشآت نفطية في المنطقة يُعتقَد أنه منسق من قبل إيران. لكن ترامب قد يفكر بشكل مختلف الآن. وإذا عاد إلى منصبه مجدداً، فقد يعطي نتنياهو الضوءَ الأخضرَ لتوسيع الحرب مع إيران، وبالتالي جر الولايات المتحدة إلى الصراع.
وهناك نقطة اشتعال محتملة أخرى هي اليمن. فمنذ العام الماضي، استهدف «الحوثيون» حركة الشحن البحري في مضيق باب المندب الذي يفصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، مما يعطل التجارة العالمية ويضطر القوات الأميركية لحماية السفن. وقد أرسلت الولايات المتحدة قاذفات من طراز «بي-2» لضرب مواقع تخزين الأسلحة الحوثية. ومع ذلك، تستمر هجمات «الحوثيين»، ومع ذلك، تستمر هجمات الحوثيين.
وباختصار، فإننا أمام لحظة خطرة للغاية في الشرق الأوسط. كانت «حماس» تأمل، من خلال هجماتها يوم 7 أكتوبر 2023، أن تؤدي إلى إشعال حرب واسعة تفضي إلى تدمير إسرائيل. لكن إسرائيل تبدو الآن أقوى من أي وقت مضى، على الأقل من منظور عسكري. لكن الحرب الأوسع نطاقاً بدأت بالفعل، وستتطلب جهوداً جبارةً من جميع الأطراف لمنعها من الخروج عن السيطرة. وأفضل طريقة لبدء عملية خفض التصعيد هي أن تتفق إسرائيل و«حماس» أخيراً على وقف إطلاق النار في غزة.. لكن، وعلى الرغم من مقتل زعيم «حماس»، يحيى السنوار، يبدو أن هذا الاحتمال ما يزال بعيداً.
*زميل «مجلس العلاقات الخارجية» - نيويورك