عُقدت، الأسبوع الماضي، القمةُ الـ 16 لتجمع «البريكس» في مدينة قازان الروسية، وإن كانت هي القمة الأولى بعد توسيع عضويتها بضم كل من إثيوبيا والأرجنتين والإمارات وإيران والسعودية ومصر، في أغسطس 2023. ويعوّل الكثيرون على الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا التجمع في إيجاد نظام دولي أكثر توازناً وعدالة، خاصة وقد بات يمثل أقلَّ قليلاً مِن نصف سكان العالَم، وكذلك أقلَّ قليلاً من ثلث اقتصاده. والمفروض أن هذه النسب مرشحة للصعود على ضوء الطلبات الكثيرة للانضمام إلى عضوية التجمع، والتي لا يوجد إجماع حولها بين أعضائه.
وثمة ملاحظات عِدة حول انعقاد هذه القمة المهمة، أتخيَّر منها ثلاثاً، تتعلق الأولى بأهميتها (أي القمة) لروسيا، وثانيتها بالتوجه التوافقي الذي بدا واضحاً في أعمالها، وأخيراً تتلخص الثالثة في الدور السياسي المنتظر للبريكس الذي يعول عليه الكثيرون في عملية التحول نحو بنية تعددية لقيادة النظام الدولي.
وبالنسبة لأهمية القمة لروسيا، فما من شك في أن مشهد انعقاد القمة في روسيا، بوزن الدول الأعضاء وحضور حوالي 20 رئيس دولة، يُعَد مؤشراً قوياً على أن الحديث عن عزلة روسيا قد بات أمراً من الماضي، بعد المحاولات المستميتة من الولايات المتحدة والمعسكر الغربي لفرض هذه العزلة على روسيا، بل وإغراقها بالعقوبات في أعقاب عمليتها العسكرية في أوكرانيا عام 2022. والأكثر من هذا أن الأمين العام للأمم المتحدة قد حضر القمةَ وألقى كلمةً فيها، وأكد على الحاجة إلى السلام العادل في أوكرانيا بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهو ما يمكن تفسيره في التحليل الأخير على أن نتائجه تعمل لصالح أوكرانيا. إلا أن هذا الموقفَ واجه رفضاً واضحاً من وزارة الخارجية الأوكرانية التي انتقدت رسمياً حضوره للقمة، وذكَّرت بأنه رفض دعوة أوكرانيا لحضور أول قمة عالمية للسلام في سويسرا، ومع ذلك فقد قبل دعوةً لحضور قمة قازان. ويعكس هذا الموقف الحاد حقيقةَ أن انعقاد القمة بهذا الحضور المتميز يعني بالفعل أن الحديث عن عزلة دولية لروسيا بات أمراً من الماضي.
وحول التوجه التصالحي للقمة، فقد دعا قادة الدول المشاركة في بيانهم الختامي إلى إيقاف الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. ويُلاحظ أن هذه الدعوة اتسقت مع التوجه العام لكلمات الرؤساء في هذا الصدد، وإن كان واضحاً أنها تجنّبت الدخولَ في تفاصيل تتعلق بإجراءات وقف الحرب في الحالتين أو رسم خطوط للحلول الممكنة للصراعات التي تكمن خلف هاتين الحربين. ويعود هذا بطبيعة الحال إلى تعقد هذه الصراعات من ناحية وتباين المواقف حيالها من قِبل الدول المشاركة.
وأخيراً، فقد مثلت قمةُ قازان خطوةً جديدةً ومهمةً في طريق تحقيق البريكس لأهدافه. وإذا كانت الخطى نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية تبدو واضحة ولافتة، فمن المؤكد أن نجاح التجمع في تحقيق أهدافه الاقتصادية سوف ينعكس إيجاباً على دوره السياسي في النظام الدولي، وإن كان هذا الدور سوف يكتسب، بالتأكيد، صدقيةً أكبرَ إذا ما تم تجاوز بعض التباينات السياسية بين أعضاءٍ في التجمع.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة