في خضم الأزمات الغذائية واضطراب سلاسل التوريد والشحن التي عانى منها العالم في السنوات القليلة الماضية، تمحورت الرؤية المستقبلية لحكومة إمارة أبوظبي حول وضع خُطةٍ طموحٍ للأمن الغذائي، لا تهدف فقط لتحقيق دفعة قوية لقطاع الزراعة لكي يضمن الاكتفاء الذاتي من الغذاء، بل لتصبح إمارة أبوظبي مُصدّراً صافياً للأغذية للأسواق الدولية في المستقبل المنظور.
ولا تزال كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، شاهداً على النجاح في التغلب على أصعب الظروف التي واجهها العالم في مجال الأمن الغذائي، ففي ذروة احتدام أزمة «كوفيد- 19»، عام 2020، قال سموه «إنه رغم التحديات التي يواجهها العالم أجمع، ونحن جزء منه، فإن سلسلة الإمداد الغذائي في دولة الإمارات خلال هذه الظروف، بإذن الله تعالى، لم ولن تتأثر.. نطمئن الجميع بأن عملية توفير الغذاء في دولة الإمارات مستدامة والأمن الغذائي أولوية قصوى بالنسبة للدولة».
ومن أهم ما يدعو للتفاؤل بشأن نجاح خطة إمارة أبوظبي للاكتفاء الذاتي من الغذاء والتحول لتصدير الأغذية، أن مكتب أبوظبي للاستثمار بما يملكه من قدرات وإمكانات وكفاءات بشرية عالية الكفاءة قد تحمَّل مسؤولية تنفيذها، وأنشأ لها مجمعاً متميزاً لتنمية الغذاء ووفرة المياه، وحدد في سبيل تحقيقها مستهدفات استثمارية واضحة وقابلة للقياس والرصد والمتابعة. فمن خلال برامجه الترويجية المتميزة وحوافزه الاستثمارية التنافسية، يستهدف المكتب جذب نحو 128 مليار درهم من الاستثمارات لقطاع زراعات الأغذية بحلول عام 2045.
وتجدر الإشارة إلى أن التيقن من كفاءة هذه الخطة الاستثمارية الطَّموحِ يكمن في أمرين، أولهما ما تشمله مدخلات هذه الخطة من عناصر ومكونات، والثانية المخرجات المأمولة من وضعها موضع التنفيذ. ففيما يتعلق بمدخلات الخطة الاستثمارية لقطاع الزراعة الغذائية، فهناك عناصر واضحة ومعزِّزة لكفاءتها. حيث إنه من المتوقع أن يترتب على الدعم الذي سيقدمه مكتب أبوظبي للاستثمار تدفق الاستثمارات عالية القيمة المضافة لقطاعات وأنشطة إنتاج الغذاء، بدءاً من نشاط الإنتاج الحيواني والمزارع السمكية، وصولاً إلى اللحوم البديلة والأعشاب البحرية.
كما يُتوقع أن يخلق هذا الدعم فرصاً متنوعة لتحقيق شراكات اقتصادية واعدة على أرض إمارة أبوظبي بين الكيانات الوطنية النشيطة والشركات الدولية الرائدة في قطاع الزراعة. ومن شأن تدفق الاستثمارات المحلية والدولية لقطاع الزراعة الغذائية على النحو المخطط، أن تتعزز مسيرة إمارة أبوظبي لتحقيق التوظيف الأمثل لمواردها الزراعية، بما في ذلك استصلاح مزيد من الأراضي للزراعة، وترشيد استخدامات المياه وتدويرها، بالإضافة إلى زيادة متوقعة لجدوى مشروعات تحلية مياه البحر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
ومع تضافر جهود مكتب أبوظبي للاستثمار مع باقي الأجهزة التنفيذية بإمارة أبوظبي، ستكون هناك عدة مخرجات ونجاحات مأمولة من تنفيذ الخطة الاستثمارية في قطاع الزراعة الغذائية. ويأتي على رأس هذه المخرجات زيادة الناتج المحلي الإجمالي للإمارة بنحو 90 مليار درهم من القطاع الزراعي بحلول 2045، مع خلق نحو 60 ألف فرصة عمل منتجة بالقطاع.
وفي ذات الاتجاه، من المتوقع أن تعزز الاستثماراتُ الأجنبية التحولَ التكنولوجي في القطاع الزراعي لإمارة أبوظبي عبر توطين أحدث المبتكرات العلمية والتقنيات في قطاع الزراعة، وخاصةً الزراعات الذكية واستخدامات المياه المعتمدة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي تتوافق مع استراتيجية دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071. وبينما ستدعم الخطة الاستثمارية لقطاع الزراعة قدرات الإنتاج الغذائي لإمارة أبوظبي لإنجاز مستهدفات الأمن الغذائي الوطني، فإنها ستساهم مباشرة في القضاء على عجز تجارة الغذاء والتحول التدريجي للتصدير، لينعكس ذلك في تحقيق طفرة كمية وفائض مستدام لميزان التجارة الخارجية لإمارة أبوظبي، ويحدث تطويراً نوعياً لمكونات هذا الفائض في المستقبل.
وفي حين يتوقع نمو عدد سكان إمارة أبوظبي في السنوات المقبلة على نحو مماثل لما شهدته العقد الماضي، فإن تطوير قطاع الزراعة الغذائية لن يرتقي بأهداف الإمارة من الاكتفاء الذاتي إلى التصدير فحسب، ولن يواكب الاحتياجات الغذائية المتنامية لسكان الإمارة فقط، لكنه سيضمن في الوقت نفسه أعلى مستويات جودة الحياة، لتستمر النجاحات والإنجازات التي تحققها إمارة أبوظبي على كافة الصعد في المستقبل.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.