لم تطأ قدمَا رئيسٍ أميركي القارة الأفريقية منذ أكثر من تسع سنوات. ومن هنا أهمية الزيارة التي قد يقومُ بها الرئيس جو بايدن لبعض دول جنوب القارة. وقد أفادت مصادرُ ديبلوماسيةٌ أميركية بأن هذه الزيارة ستتم قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر، بعد أن اضطر بايدن إلى إلغاء زيارةٍ كانت مقررةً في ديسمبر 2023 بسبب حرب غزة. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت كرةُ اللهب المشتعلة في الشرق الأوسط يمكن أن تمنع هذه الزيارة مرةً ثانية. لكن إذا تمت قد يكون لها أثرٌ إيجابي في استعادة الدور الأميركي في أفريقيا، رغم أن بايدن سيغادر البيت الأبيض في 20 يناير المقبل. والملاحظ أن الرئيس الأسبق باراك أوباما كان يُلملمُ أوراقَه أيضاً عندما قام بزيارته الثالثة إلى القارة في صيف عام 2015، بعد زيارتين سبقتاها في عامي 2009 و2013.
وقد استبق بايدن زيارتَه المحتملةَ هذه بتكرار دعوته إلى تمثيلٍ دائم لأفريقيا في المنظمات الدولية كلها، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي نفسه، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام. ويبدو أن إدارته تسعى لإتمام هذه الزيارة لتتويج الجهود التي بذلها بعض كبار مسؤوليها لتطوير العلاقات مع القارة، خشيةَ حدوث تراجعٍ جديدٍ فيها إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بسبب موقفه السلبي تجاه أفريقيا وتجاهلها خلال فترة إدارته السابقة.
ورغم أن الدورين الصيني والروسي ما زالا أكبر من الدور الأميركي، فقد قَطعت إدارة بايدن خطواتٍ باتجاه زيادة قدرة الولايات المتحدة على منافسة بكين وموسكو في القارة. وقد أتاح إعلانُها مبادرةَ الشراكة العالمية في الاستثمار والبنية التحتية عام 2021 فرصةً لإبرام مئات الاتفاقات مع 43 دولة أفريقية. وزار وزير الخارجية بلينكن القارةَ أربع مرات منذ عام 2021، وكانت الأخيرةُ في مطلع العام الجاري. كما نابت وزيرةُ الخزانة جانيت يلين عن بايدن في قمة تمويل الاقتصادات الأفريقية التي عُقدت في باريس في مايو 2021، ثم قامت بجولةٍ في عدد من دول القارة في يناير 2023. وتبعتها نائبةُ الرئيس كامالا هاريس، ثم وزير الدفاع لويد أوستن.
ومن أهم المشروعات التي بُحثت خلال تلك الزيارات اثنان كبيران، أحدهما اقتصادي لوجستي لتعزيز قدرة واشنطن على منافسة الصين، وثانيهما عسكري لدعم الحضور الأميركي بعد تمدد الفيلق الروسي (المجموعة العسكرية التي أُنشئت بديلاً عن مجموعة «فاغنر») في 5 دول أفريقية حتى الآن (ليبيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى). أما المشروع الاقتصادي اللوجستي فهو ربط جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغنية بالموارد الطبيعية، بميناء لوبيتو في أنجولا عن طريق السكك الحديدية. بينما يتمثل المشروع العسكري اللوجستي في نقل مقر القيادة العسكرية الأميركية في القارة «أفريكوم» من موقعه الحالي في شتوتغارت الألمانية إلى إحدى الدول الأفريقية.
ويبدو أن بايدن يسعى في زيارته المحتملة إلى ضمان استمرار ذينك المشروعين إذا فاز ترامب وأعاد إنتاج سياسة اللامبالاة حيال القارة السمراء. لكن التحدي الذي يواجهه هو إتمام هذه الزيارة في الوقت الذي يلوحُ شبحُ حربٍ إقليميةٍ في سماء الشرق الأوسط.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية