عندما يتعلق الأمر بقياس آثار أزمة المناخ، فإننا نميل إلى الاعتماد على مقياسين بسيطين: الوفيات البشرية والخسائر الاقتصادية. وهذه النقاط البيانية مفيدة للغاية لفهم ما قد نعرض أنفسنا له إذا فشلنا في الحد من الانبعاثات، لكنها لا تعكس سوى جزء من المعاناة التي ستجلبها الظروف الجوية القاسية وانهيار النظم البيئية.
خذ على سبيل المثال دراسة حديثة عن تراجع الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة. يميل البرد القارس في أوروبا إلى أن يكون أكثر فتكاً من الحرارة المرتفعة. خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2020، كان عدد الوفيات المرتبطة بالبرد نحو ثمانية أضعاف عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة. ومن المقرر أن يغير كوكبنا الدافئ هذا التوازن في جميع أنحاء القارة.
وقد تتضاعف الوفيات المرتبطة بالحرارة ثلاث مرات عن المستويات الحالية بحلول عام 2100 إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية (5.4 فهرنهايت) -وهو ما يتجه العالم إليه في ظل سياسات المناخ الحالية- لتقترب من 129000 حالة وفاة سنوياً تقريباً مقارنة بنحو 44000 حالة وفاة سنوياً. لكن الوفيات، التي ستحدث بشكل كبير بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 85 عاماً، ليست سوى جزء صغير من العبء الصحي الناجم عن الحرارة الشديدة.
وكما قالت «مادلين تومسون»، رئيسة قسم التأثيرات المناخية والتكيف في مؤسسة ويلكوم الخيرية العالمية التي تدعم البحوث الصحية، رداً على الدراسة: «الحرارة الشديدة تقتل ولكنها تسبب أيضاً أضراراً صحية خطيرة». ولن تؤثر هذه الأمراض على كبار السن فحسب بل وأيضاً على أصغر أفراد المجتمع سناً وعلى كل شخص آخر.
على سبيل المثال، تسلط الأبحاث الضوء بشكل متزايد على تأثيرات الحرارة الزائدة على النساء الحوامل، إذ أن نمو إنسان جديد هو عمل شاق، ويخضع جسد الأنثى لتحولات فسيولوجية عديدة لاستيعاب ذلك، بما في ذلك زيادة بنسبة 40% في كمية الدم التي يتم ضخها عبر الجسم. هذه التغييرات تجعل النساء الحوامل أكثر عرضة للإجهاد الحراري وضربة الشمس.
ولا يقتصر الأمر على أن الأمهات الحوامل أكثر عرضة للخطر في ظل الحرارة، بل إن التعرض لدرجات حرارة محيطة مرتفعة يرتبط بنتائج صحية سيئة لكل من الأم والطفل، مثل زيادة حالات الإجهاض، وولادة جنين ميت، والولادة المبكرة، والعيوب الخلقية، ومرض سكري الحمل، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وتسمم الحمل.
وقد وجدت دراسة في الهند أن خطر الإجهاض تضاعف لدى النساء اللاتي تعرضن للحرارة الشديدة من خلال عملهن. والنساء في البلدان النامية معرضات للخطر بشكل خاص لأنهن أكثر عرضة لأداء الأعمال اليدوية في الخارج ولديهن قدرة أقل على الوصول إلى مكيفات الهواء مقارنة بالنساء في الدول الأكثر تقدماً. ولكن العواقب تؤثر على الجميع. فقد أظهرت الدراسات في البلدان ذات الدخل المرتفع ارتفاعاً بنسبة 15% في خطر الولادة المبكرة وولادة جنين ميت أثناء موجات الحر. وكما قالت «جين هيرست»، طبيبة التوليد الأكاديمية في معهد جورج للصحة العالمية والتي ساهمت في دراسة الهند، لبي بي سي: «يمكن رؤية التأثيرات السلبية على حالات الحمل في درجات حرارة أقل بكثير في المناخات الأكثر اعتدالاً، مثل المملكة المتحدة».
وقد تكون هناك أيضاً تأثيرات طويلة الأمد على الأطفال. فقد وجدت مراجعة منهجية أجريت عام 2024 للبحوث المحدودة المتوفرة والتي تتعلق بالعواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية في وقت لاحق من الحياة أن التعرض المتزايد للحرارة أثناء الحمل قد يكون مرتبطًا بأداء تعليمي أسوأ وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والربو في مرحلة الطفولة. كما رأى الباحثون في جامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا، ارتباطات بانخفاض الصحة العقلية، بما في ذلك زيادة خطر اضطرابات الأكل وانفصام الشخصية (شيزوفرينيا).
كما بدأنا نفهم بشكل أفضل كيف أثرت فترات ارتفاع درجات الحرارة سلباً على الصحة العقلية بشكل عام. وكما كتبت زميلتي «ليزا جارفيس» فإن الحرارة لا تجعلنا جميعاً نشعر بالتوتر والانفعال فحسب، بل إنها تؤدي أيضاً إلى تفاقم «اضطرابات المزاج الشائعة مثل القلق والاكتئاب وكذلك الحالات النادرة مثل الشيزوفرينيا وإيذاء النفس».
ومن المرجح أن نجد المزيد من الروابط بين الحرارة والصحة مع زيادة معدلات الاحتباس الحراري العالمي. ومن المرجح أن يُعزى وباء غامض يؤدي إلى الفشل الكلوي في سريلانكا إلى التعرض للحرارة الشديدة والجفاف والمياه الجوفية الملوثة بالمبيدات الحشرية. ويعاني واحد من كل خمسة من سكان بعض المناطق الساخنة هناك من تلف حاد أو فشل في الكلى، مع نشوء الحالة أو تقدمها بسرعة في كثير من الأحيان.
إن التأثيرات الصحية للحرارة الشديدة موجودة بالفعل وتمتد إلى ما هو أبعد من الوفيات المأساوية التي يمكن الوقاية منها. ومع ذلك، توجد فجوات معرفية ضخمة فيما يتعلق بفهم كل شيء من الآليات البيولوجية الكامنة وراء الأضرار المرتبطة بالحرارة إلى الحلول الفعالة.
وقد استشهد العديد من العلماء بصعوبات في الحصول على التمويل لمثل هذه الأبحاث، بسبب طبيعتها متعددة التخصصات، في حين تشير مؤسسة روكفلر، وهي منظمة خيرية لتمويل البحوث الطبية والفنون، إلى أن 2% فقط من تمويل التكيف و0.5% من إجمالي تمويل المناخ مخصص لتحسين النتائج الصحية. هذا يحتاج إلى تغيير. بعد كل شيء، صحتنا هي ثروتنا، وتغير المناخ يستنزفها بالفعل.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»