عندما تبدو استعادةُ السلام عسيرةً في عالمٍ يسودُه الاضطرابُ من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا مروراً بشرق أوروبا، يخلقُ أي تطورٍ إيجابي على صعيد العلاقات الدولية شعوراً بتفاؤلٍ ما. ولهذا ربما نجدُ ما قد يبعث على التفاؤل في إعلان رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي رغبة بلاده «في رؤية روسيا تشاركُ في المؤتمرات العالمية التي تهدفُ إلى إحلال السلام». فقد قال، في حديثٍ إلى وسائل إعلامٍ محلية ودولية في 31 يوليو الماضي، إن روسيا يجب أن تكون مُمثلةً في هذه المؤتمرات، وأن العالم كله يريد ذلك. وهذا تطورُ مهمُ في موقف أوكرانيا، التي رفضت من قبل حضور روسيا لقاءاتٍ دوليةً بشأن السلام، وكان آخرُها المؤتمر العالمي الكبير الذي استضافته سويسرا في يوينو الماضي.
وربما يصعب فصلُ هذا التطور عما يجرى في ساحة الانتخابات الأميركية، واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإدراك زيلينسكي مثل غيره أن تغيراً سيحدثُ في هذه الحالة في سياسة واشنطن تجاه حرب أوكرانيا. فقد تحدث ترامب أكثر من مرة عن اعتزامه إنهاء هذه الحرب، بل قال مرةً إنه سيبدأ التحرك عقب إعلان نتيجة الانتخابات حال فوزه بها، ولن ينتظر تنصيبِه رسمياً في 20 يناير 2025. ولهذا قد يُفهم من التطور في موقف زيلينسكي أن بلاده تريدُ استباق نتيجة الانتخابات الأميركية وتبني سياسة أكثر مرونة، قبل أن تتعرض لضغوطٍ من أجل تغيير مواقفها.
ولم يكن قلقُ أوكرانيا من هذا الاحتمال خافياً، وخاصةً بعد اختيار جي دي فانس مرشحاً لمنصب نائب الرئيس عن الحزب «الجمهوري»، وهو الذي يتبنى موقفاً أكثر تشددأً من ترامب ضد استمرار الحرب في أوكرانيا، ويعارضُ بقوة استمرار المساعدات لكييف.
وفي مقابل قلق كييف الذي يعتبر إيجابياً، يبدو رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان متفائلاً بإمكان فتح بابٍ للسلام في أوكرانيا حال فوز ترامب. ولهذا يسعى إلى استثمار رئاسة بلاده الدورية للاتحاد الأوروبي منذ 30 يونيو الماضي وطرح إطارٍ عام لمبادرةٍ سلمية. فقد قام بزياراتٍ متتالية إلى كييف وموسكو وبكين. كما ذهب إلى واشنطن لحضور قمة حلف «الناتو» الشهر الماضي، والتقى ترامب على هامش زيارته. وطرح بعد هذه الزيارات ما يمكن اعتباره مدخلاً إلى مبادرةٍ تقوم على سعيٍ إلى توافقٍ أوروبي صيني أميركي على صيغةٍ يمكن أن تكون بدايةً جيدة Good Starter لمفاوضاتٍ مُنتجة. وألقى على هذا النحو حجراً في مياه الاتحاد الأوروبي، التي مازالت الرياحُ تُبعدُها عن الاتجاه الذي قد يؤدي إلى سلامٍ في أوكرانيا، ووجه رسالةً بشأن مساعيه إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال تتضمنُ ملامح أوليةً لخريطة طريقٍ يبدأ بمشاوراتٍ في العمق مع الصين باعتبارها الدولة الأكثر قدرة على التأثير في موقف موسكو توطئةً للعمل من أجل تنازلاتٍ متبادلةٍ لا يتحققُ أي سلامٍ تفاوضي بدونها.
طريقُ قد يبدو اليوم وعراً، ولكن لا بديل عنه إلا استمرارُ الاستنزاف المتبادل في حربٍ يستحيل حسمُها عسكرياً.
*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية