أحدث إحصاءات مصرف الإمارات المركزي كشفت أن البنوك الوطنية قد أتاحت تمويلات ائتمانية لقطاعي التجارة والصناعة بلغت نحو 25.7 مليار درهم خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2024 في عالم احتدمت فيه المنافسة الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، تظل للاقتصاد الإماراتي مكانته الدولية الرائدة، بما يمتلكه من مقومات الاستدامة الاقتصادية، وبما يحققه من إنجازات رائدة على صعيد تنويع مصادر الدخل الوطني.
وبالرغم من هذه المكانة المستحقة، فإن الطموح المستمر للقيادة الرشيدة في ملف التنويع الاقتصادي، والذي تجلى في رؤية «نحن الإمارات 2031»، يحشد الجهود الوطنية كافة لرفع مساهمة القطاع السياحي إلى 450 مليار درهم ولزيادة صادرات الدولة غير النفطية إلى 800 مليار درهم للوصول بالناتج المحلي الإجمالي للدولة إلى 3 تريليونات درهم.وبينما يمتلك الاقتصاد الإماراتي إمكانات فريدة لإنجاح أهداف رؤية الإمارات 2031، لا تزال القدرات التمويلية التي يتيحها الجهاز المصرفي بمكوناته المختلفة، وبقيادة متميزة من المصرف المركزي، تمثل المحرك الرئيسي لدفع استراتيجية الدولة للتنويع الاقتصادي لآفاق أكثر مرونة.
وبصورة عامة، فقد تمكَّن القطاع المصرفي في دولة الإمارات من تأكيد متانته ومرونته في التعامل مع كافة التحديات والتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، إذ تعكس مؤشرات ارتفاع الأصول والتمويل ومعدلات كفاية رأس المال مرونة القطاع وقدرته على التكيُّف مع المتغيرات التي يشهدها العالم، إضافة إلى قدرته على مواصلة دوره في توفير الظروف الملائمة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع حرصه على الالتزام بالمعايير الدولية في الحوكمة وإدارة المخاطر. وفيما يخص الأهمية التمويلية للجهاز المصرفي الإماراتي في دفع استراتيجية التنويع الاقتصادي، وبالأخص دعم الصناعة الوطنية، فإن الأدلة عليها أكثر من أن تُحصى.
وفي هذا الصدد يمكن رصد أربع سمات عامة لهذا التمويل تُكسبه هذه الأهمية لبيئة الأعمال الإماراتية عامةً ولبرامج التنويع الاقتصادي التي ترعاها الدولة على سبيل التحديد، وأولى هذه السمات هي الكفاية، وثانيتها الموثوقية، والثالثة الاستدامة، والرابعة تنافسية التكلفة. فمن حيث الكفاية، كشفت أحدث إحصاءات مصرف الإمارات المركزي أن البنوك الوطنية قد أتاحت تمويلات ائتمانية لقطاعي التجارة والصناعة بلغت نحو 25.7 مليار درهم خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2024، وبمعدل نمو 3.5% مقارنة ببيانات عام 2023.
وهذه التمويلات كانت كافية لزيادة قدرات الاستثمار ولدوران محركات الإنتاج الصناعي، ولترسيخ مسار نمو تصاعدي للصادرات غير النفطية، كي يتفوق الاقتصاد الإماراتي مجدداً ويحقق صادرات فوق مستوى 2.6 تريليون درهم الذي أنجزه في نهاية العام الماضي.
وبالتوازي مع ترقية النظام المصرفي الإماراتي لقدراته التنظيمية وتقنياته الرقمية، ضمن جهود إنجاح مبادرة المصرف المركزي لتصفير البيروقراطية في القطاع المالي، تطورت مؤشرات الصلابة والمتانة المالية للبنوك في ظل ارتفاع نسبة احتياطيات السيولة المصرفية لأصول البنوك من نحو 15% في عام 2022 لتصل إلى نحو 18% في عام 2023، وذلك وفق ما رصدته مؤشرات التنمية العالمية للبنك الدولي.
ونتيجة لذلك، تراجعت مستويات المخاطر في القطاع المصرفي المحلي، وتحسنت الموثوقية للائتمان الممنوح من البنوك الوطنية، وزادت جاذبيتها وارتفعت ثقة كافة المتعاملين معها، وخاصةً من وحدات القطاع الخاص الصناعي. وعلى صعيد دعم التنويع المستدام، تبرز جهود البنوك الإماراتية في إتاحة الائتمان الذي يحقق فائدة مزدوجة عبر دعم التنويع الاقتصادي الصديق للبيئة.
وتأكيداً على ذلك، أعلن اتحاد مصارف الإمارات تخصيص بنوك الإمارات تريليون درهم للتمويل الأخضر، مع التأكيد على أن التمويل المستدام يمثل أولوية استراتيجية للقطاع المصرفي الإماراتي من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويمكن القول إن تنافسية التكلفة التي يتحلى بها الائتمان المصرفي الإماراتي من أبرز السمات المميزة له في بيئة تمويل عالمية شديدة التقلب، وتعاني حالياً ارتفاعاً حادّاً في التكاليف. ونتيجة لهذه التنافسية، زاد الائتمان المحلي الممنوح للقطاع الخاص المحلي من حوالي 64% إلى 68% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2022 و2023.
ومن نتائجه أيضاً ارتفاع قدرة الشركات الإماراتية المتوسطة والصغيرة على تحمُّل أعباء الائتمان، لتزيد حصتها في الائتمان المقدَّم للقطاع الخاص الوطني، ما يعزز مساهمتها ضمن محركات النمو الاقتصادي الإماراتي في السنوات القادمة.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.