في «الاثنين الأسود»، الذي وافق يوم 19 أكتوبر 1987،هوت أسعار الأسهم، إذ انخفض مؤشر «داو جونز الصناعي» بنسبة 22.6% في يوم واحد. فسارع العديد من المعلّقين إلى تفسير سبب الانهيار بأنه رد فعل على حدث سياسي ما، أو بعض البيانات الاقتصادية، أو أي شيء آخر.
غير أن عالم الاقتصاد روبرت جي. شيلر تمكّن من إرسال استبيان إلى العديد من اللاعبين في السوق أثناء حدوث الانهيار، فوجد أن لا أحد ممن يبيعون أسهمهم يفسّر ما يفعله باعتباره رد فعل على الأخبار. وتبين أن السبب الوحيد المهم الذي تم تقديمه لبيع الأسهم كان هو أن أسعارها كانت تنخفض. بعبارة أخرى، إن هبوط الأسهم بدا مثل ذعر يتغذى على نفسه.
لاحقاً، فاز «شيلر» بجائزة نوبل عن عمله حول عدم عقلانية السوق -- وهي الجائزة التي تقاسمها مع «يوجين فاما»، الذي اشتهر بنظريته التي تقول إن الأسواق المالية عقلانية وفعالة جداً.
كثير ما أجدني أفكر في أعمال شيلر عندما تتحرك الأسواق بشكل جنوني، مثلما حدث في الأيام القليلة الماضية.
فيوم الاثنين، انخفضت الأسواق، وإن كان يبدو أثناء كتابة هذا المقال أنها أخذت تعود إلى طبيعتها مرة أخرى. والواقع أن أسعار الأسهم الأميركية ما زالت مرتفعة جداً هذا العام، بل ومنذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه في 2021. غير أنه يبدو أنه أينما يمّمت وجهي لا أرى سوى عناوين أخبار تفيد بأن الأسهم هبطت بسبب المخاوف من حدوث ركود في الولايات المتحدة – تفسير يقدَّم باعتباره حقيقة، وليس تخميناً أو شيئاً يقوله بعض الاقتصاديين.
ولكن الحقيقة هي أننا لا نعرف سبب انخفاض الأسهم. والأكيد أن المخاوف ازدادت بشأن ركود محتمل؛ وقد تطرقتُ لهذه المخاوف في مقالي الأخير. ولكن ما كان صحيحاً في 1987 كان صحيحاً في 2024 أيضاً: إن معظم الأشخاص الذين يبيعون الأسهم والأصول الأخرى لم يقوموا بتحليل الاقتصاد الكلي؛ وإنما كانوا يبيعون أسهمهم، لأن الأسعار كانت تنخفض. ومن الصعب الجزم بشأن الأسباب التي كانت وراء عمليات البيع تلك، ولكنها لا تهم كثيراً أيضاً: فحالات الذعر في السوق يمكن أن تحدث لعدة أسباب، وما يهم هو مدة استمرارها وما إن كانت لها تأثيرات جانبية خطيرة.
ومع ذلك، دعونا نطرح السؤال: هل مخاوف الركود هي التي أفضت إلى هذا الهبوط في السوق؟ الواقع أنه كلما أمعن المرء النظر في الحقائق، وخاصة صنف الأسعار التي هوت، بدت هذه القصة أقل منطقية.
شركة إنفيديا، التي تصنع الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، كانت أكبر الخاسرين بين اللاعبين الرئيسيين. وكانت أسهم الشركات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي عرفت صعوداً كبيراً خلال الآونة الأخيرة؛ غير أن هناك شعوراً متزايداً، على الأقل في ما أرى، بأن هناك مبالغة كبيرة في قيمتها والإقبال عليها. وكما قال أحد المصادر، فإن «المخاوف بشأن كونها فقاعة إنما تعزى إلى الضجة الكبيرة والمبالغ فيها المحيطة بتطبيقات ذكاء اصطناعي غير مجرَّبة، وإلى الاستثمارات الضخمة التي تقود إلى توقعات غير واقعية». من قال ذلك؟ إنه الذكاء الاصطناعي، بالطبع -- وتحديدا تطبيق «كوبايلوت» التابع لـ«بينج».
ولهذا، فربما الأمر لا يتعلق بمخاوف من الركود على كل حال؛ وإنما بمخاوف من أن يكون الذكاء الاصطناعي فقاعة أخرى على غرار فقاعة الإنترنت التي حدثت أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وقد أدرجتُ أصلين آخرين، ليس لأنهما مهمان من الناحية الاقتصادية، ولكن لأنني أعتقد أنهما يكشفان عن أشياء مثيرة للاهتمام.
أحدهما هو الذهب، الذي كثيراً ما يُنظر إليه على أنه استثمار آمن للثروة. هذا الدور مبالغ فيه جداً، ولكن في هذه الحالة على الأقل، يمكن القول إن المعدن كان في مستوى سمعته، إذ لم يفقد الكثير من قيمته في هذا الانهيار. ولكنني أدرجتُه أساساً من أجل مقارنته بالبيتكوين، الأصل الآخر الذي انخفض سعره تبعاً لانخفاض أسهم التكنولوجيا تقريباً.
والواقع أنه من الصعب حقاً رؤية تناغم بين انخفاض سعر البيتكوين، والقصة التي تقول إن الأمر كله يتعلق بمخاوف من الركود. ذلك أن الأسهم تستمد قيمتها في نهاية المطاف من الأرباح المستقبلية المتوقعة، والتي ستتضرر إذا حدث ركود. أما البيتكوين، فيستمد قيمته في النهاية من لا شيء محدداً، غير أن واحدة من أفضل الحجج التي تصبّ في مصلحة البيتكوين، رغم فشله في الحلول محل العملة التقليدية كوسيلة للدفع، هي أنه أخذ يصبح شكلاً من أشكال الذهب الرقمي، أي أصلاً يحتفظ به الناس، لأنهم يعتبرونه ملاذاً آمناً في الأوقات الصعبة.
ولكن، ما الذي تسبب في بيع الأسهم؟ الواقع أنني لا أعرف؛ ولكن ما أعرفه هو أن لا أحد يعرف أيضاً. وربما هذا ليس مهماً كثيراً، اللهم إلا إذا كان لعمليات البيع هذه تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الحقيقي.
وهو ما يعيدنا إلى انهيار عام 1987، ذلك أن نمو الاقتصاد الأميركي في المستقبل القريب لن يكون على الأرجح بالقوة نفسها التي كان عليها بعد يوم «الاثنين الأسود»، نظراً لأن هناك أدلة كثيرة على أن الاقتصاد يتباطأ لأسباب لا علاقة لها بسوق الأسهم. ولكن ربما كانت حركة السوق الجنونية في الأيام القليلة الماضية مجرد صخب لا يعني الكثير.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»