تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى شراء الوقت مع الإدارة الأميركية، ولحين مرور الأشهر المتبقية من عمر هذه الإدارة، وبما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية ستتبع عدة خيارات الأول: الاستمرار في المفاوضات والاتصالات مع كل الأطراف الدولية، والتركيز في التعامل مع الولايات المتحدة ومع هذه الإدارة على إبرام ما تريده من صفقات سلاح كان من المفترض أن تتم طوال الأربعة سنوات المقبلة لولا ما جرى ودخلت الحرب في قطاع غزة فتم تمديد الأمر للتوصل إلى موعد استباقي يمكن أن يساهم في حماية الدولة العبرية، ويوفر قدراً كبيراً من الأمن المنشود في إطار التخوف من احتمالات خوض حرب جديدة مع «حزب الله» ما يتطلب العمل على مسارات متعددة، في ظل حوار استراتيجي بين واشنطن وتل أبيب سيستمر، ويرتكز في المقام الأول على الدعم العسكري، واستعادة الشراكة الأمنية والاستراتيجية.

الثاني: العمل على كسب الوقت في إطار عدم رفض أية حوارات أو مناقشات تتعلق بالترتيبات الأمنية مع اعتماد مقاربة العمل بصورة منفردة لفرض الأمن في عمق القطاع وهذا الأمر سيكون له الأولوية على أي اعتبار بل سيكون من خلال إجراءات انفرادية وعدم الانتظار لما يقال اليوم التالي حيث بدأ هذا اليوم من خلال ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من إجراءات حاسمة، وتغيير معالم قطاع غزة وسيبقي الحديث عن حكم القطاع مطروحاً ولكن في مرحلة أخرى ما قد يغلق الباب أمام أية تنازلات قد تقدم عليها إسرائيل أو تدعو إسرائيل للتراجع، والخروج من القطاع وفق الرؤية الأميركية وقرار مجلس الأمن بهذا الشأن.

الثالث: عدم الدخول في مواجهات مع المجتمع الدولي والانتظار لما سوف تسفر عنه الحملة الدولية على إسرائيل سواء من محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، واحتمالات إصدار مذكرات توقيف لقيادات مدنية وعسكرية لإسرائيل وهو ما سيتطلب التهدئة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم ومطالبة القوى الدولية الداعمة إعادة تكرار السريدية الإسرائيلية مجدداً، وعدم التركيز على فكرة معاقبة إسرائيل ومحاولة نزع شرعية وجودها في المنطقة، وهو هدف عملت عليه الدولة منذ إنشائها ولهذا فإنها ستدخل في مواجهات مع الإدارة الأميركية في حال الضغط على إسرائيل تقبل أية نتائج دولية أو إقليمية أو مطالبتها باتخاذ إجراءات محددة، وهو ما يعني أن إسرائيل لن تنصاع إلى أهدافها الكبرى في الإقليم ليس في غزة، أو الشمال بل في الضفة مع رفض كامل للحديث عن دولة فلسطينية، أو تقبل فكرة التفاوض ما يؤكد أن المخطط الإسرائيلي الراهن رفض أية تبني مواقف دولية في هذا الصدد، بل والرهان على شراء الوقت لحين إجراء الانتخابات الأميركية، واتضاح صورة التعامل مع الشريك القادم.

الرابع: ستتعامل الإدارة الأميركية مع الموقف الإسرائيلي - وبصرف النظر عن استمرارية الحكومة الراهنة وبشخصها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو انطلاقاً من رهانات متأرجحة بأن نتنياهو وحكومته مستمرة، ولن تتغير بعد أن خسرت الرهانات السابقة على الوزير السابق في مجلس الحرب بيني جانتس، أو زعيم المعارضة يائير لابيد، ما يؤكد أن المشهد الأميركي الإسرائيلي سيستمر على حاله خلال الأشهر المقبلة، وإن تغيرت بعض الظروف، ومنها احتمالات إعادة بناء شراكة مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل، واستمرار نتنياهو في الحكم.

الخامس: من المحتمل تمسك الإدارة الأميركية خلال الأشهر المقبلة بإتمام حالة التهدئة أو قبولها بما قد يتحقق ولو في إتمام المرحلة الأولى للصفقة والاكتفاء بها مع الإفراج عن الخمسة عناصر أميركية، والموجودة لدى حركة «حماس»، مما قد يساهم بالفعل في تنامي شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن ومقابل ذلك احتمالات دخول «ايباك» كبرى المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة لتغيير المشهد لصالح الرئيس السباق ترامب، والعمل في مواجهة الرئيس بايدن وحسم الأمر ما قد يؤدي إلى تغيير البوصلة بالكاملة، وهو ما تتخوف من ارتداداته الإدارة الراهنة، والتي ما تزال تتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من خلال حلول وسط، ومقاربات معتدلة وهو ما برز خلال الحوار الاستراتيجي مؤخراً بين البلدين حول المتطلبات الأمنية والاستراتيجية التي تحتاجها إسرائيل حال خوض حرب في الشمال تجاه «حزب الله».

ومن المؤكد أن ما سيجري من جدال بين البلدين سيكون محور لما سيطرحه نتنياهو أمام الكونجرس، ومجلس الشيوخ حيث تبدو التخوفات قائمة من احتمال اتجاه نتنياهو لتأليب «الجمهوريين» على «الديمقراطيين» والعكس وارداً، والنفاذ مباشرة في مواجهة ما يجري في الحملة الانتخابية ما قد يسفر عن حالة تأزم بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية، قبل أن يحل موعد إجراء الانتخابات الأميركية ما قد يفتح مشهد العلاقات على سيناريوهات ومشاهد مختلفة.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.