على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى أكثر المناطق جفافاً في العالم، فإنها تتمتع بمستويات رطوبة مرتفعة، ولا سيَّما في المدن الساحلية، حيث تتراوح نسبة الرطوبة بين 50 و90 في المئة على امتداد العام. وتجعل هذه الظروف الدولة موقعاً مثاليّاً لتبني تكنولوجيا استخلاص الرطوبة، التي تتيح تحويل بخار الماء الموجود في الهواء مياهاً صالحة للشرب. ومع مواجهة المنطقة تحديات ندرة المياه، تقدم هذه التكنولوجيا حلّاً مستداماً ومكملاً لعمليات تحلية المياه التقليدية.
وشهِدت التقنيات الحديثة، مثل مولدات المياه من الغلاف الجوي وأنظمة التكثيف المعتمدة على الطاقة الشمسية، تطورات جوهرية أتاحت استخلاص الرطوبة من الهواء بكفاءة عالية، خصوصاً في البيئات ذات الرطوبة المرتفعة مثل التي تتَّسم بها دولة الإمارات. وتعتمد الأنظمة المدعومة بالطاقة الشمسية على أشعة الشمس المتوافرة في الدولة طوال العام لتشغيل عملية تكثيف المياه، ما يوفر وسيلة طاقة مستدامة وفعَّالة لاستخلاص المياه من الهواء.
ويؤدي الدعم الحكومي دوراً جوهريّاً في تعزيز الابتكار، وتوسيع نطاق استخدام هذه التقنيات. وعن طريق تخصيص مِنح بحثية، وإطلاق مبادرات مثل برنامج دبي للبحث والتطوير، الذي أُشهِر في سبتمبر 2022، يمكن لدولة الإمارات أن توفر الدعم المالي المطلوب لتطوير حلول أكثر فاعلية واستدامة تتناسب مع ظروفها البيئية. كما أن الشراكات مع الجامعات والمؤسسات البحثية المحلية والعالمية تسهم في تحقيق اكتشافات علمية متقدمة في مجال استخلاص الرطوبة. وإلى جانب ذلك تشجع الحوافز المالية، مثل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، والدعم الحكومي، القطاع الخاص وفي مقدمته المطورون العقاريون والصناعيون، على تبني هذه الأنظمة، ما يسهم في تخفيف الضغط على الموارد التقليدية مثل المياه المحلاة.
وكل ما تحتاج إليه هذه التقنيات هو الرطوبة العالية المنتشرة في الهواء، وأشعة الشمس الوفيرة لتوليد الطاقة الشمسية اللازمة لتشغيل المولدات. وهذا المزيج المثالي يجعل من الممكن استخراج المياه بكفاءة منخفضة التكلفة، ومن دون انبعاثات بيئية تُذكر.
وتُعد تقنيات استخلاص الرطوبة حلّاً متكاملاً يعزز الأمن المائي الإماراتي، ويؤدي إلى تحسين الاستدامة الاقتصادية والبيئية. ويسهم توزيع مصادر إنتاج المياه، عبر الأنظمة اللامركزية، في تقليل الاعتماد على محطات تحلية المياه التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وتوفير مصدر مياه أكثر استدامة ومرونة. ومع تعزيز موقع دولة الإمارات - بصفتها مركزاً عالميّاً للابتكار في هذا المجال - فإنها ستتمكن من تصدير هذه التقنيات إلى مناطق أخرى تعاني نقصاً في المياه، ما يعزز مكانتها القيادية على الصعيد الدولي في مجال الاستدامة.
وختاماً، توفر الخصائص المناخية لدولة الإمارات، والدعم الحكومي الاستراتيجي، فرصة فريدة لها لتتبوأ مكانة ريادية عالمية في مجال تقنيات استخلاص الرطوبة، بما يضمن الأمن المائي المستدام، ويعزز النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة في المدى الطويل.
*أستاذ مشارك وعميد البحوث في الجامعة البريطانية بدبي