قبل أيام وقّعت الإمارات على اتفاقيتين تؤكدان استمرار علاقة الأخوّة مع السودان الشقيق، أولاهما تقضي بتخصيص 5 ملايين دولار لدعم صندوق السودان الإنساني، وثانيتهما كانت مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بهدف الإسهام في معالجة الأزمة الإنسانية ومنع خطر المجاعة الوشيك. وكانت معالي لانا زكي نسيبة - مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية - قد أكدت خلال المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان والدول المجاورة أنه لا يمكن للإمارات أن تسمح بحدوث مجاعة أخرى بين الأطفال في السودان، وهي ملتزمة بتقديم المساعدات عبر الشركاء الرئيسيين من وكالات الأمم المتحدة. منذ بداية الأحداث في السودان، دشنت الإمارات جسراً جوياً مع السودان لتقديم الدعم والمساندة لأبنائه للتخفيف من حدة الظروف الإنسانية التي يعانون منها.

ومن جملة ما قدمته الإمارات للسودان 130 مليون دولار لدعم الاستجابة الإنسانية، وآلاف أطنان الأغذية والمواد الطبية لمن هم في الداخل وللاجئين في جنوب السودان، وتشكل تلك المساعدات 70% من تعهد الإمارات، والبالغ 100 مليون دولار أميركي. ولم تَحد الإمارات عن ثوابتها في دعم السلام لتحقيق الاستقرار في السودان، سواء من خلال تقديم المساعدات العينية التي تسهم بإنقاذ حياة الناس، أو سعيها لعقد مصالحة بين الأفرقاء، حرصاً منها على أمن واستقرار البلد الشقيق الذي يعاني من كوارث لا حصر لها، وما تقدمه إنما هو استمرار لنهجها في مساعدته، وبالأرقام قدمت الإمارات للسودان مساعدات زادت قيمتها على 3.5 مليار دولار خلال الأعوام العشرة الأخيرة فقط.

وتعقيباً على الأوضاع الراهنة في السودان بسبب استمرار المواجهات العسكرية فيه منذ أربعة عشر شهراً، وما جرّ ذلك من أعمال تخريب للأملاك العامة وجرائم بحق عامة الناس، قالت ليندا توماس غرينفيلد، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة: «إن الوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ في العالم»، ما يعني أنه ذاهب فعلاً إلى دمار كلي بسبب استمرار الصراع بين الأفرقاء الأشقاء، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تبعثر الجهود الدولية، والبطء في تنفيذ خطط السلام، وحتماً المزيد من الدمار على جميع الأصعدة. إيماناً من الإمارات بأن العسكرة والقوة لن تنهي ولا يمكن أن تنهي الحرب، فقد جددت موقفها الداعي إلى الوقف الفوري والدائم للعمليات العسكرية، وإيجاد حل سلمي، وبالتالي يجب على طرفي النزاع الذهاب إلى طاولة المفاوضات، عاجلاً وليس آجلاً.

الوقائع والشواهد والأدلة تؤكد أن الإمارات مع السلام، وأنها لا تدعم طرفاً على حساب طرف آخر كما يدّعي البعض، إنما هدفها دعم السودان المنكوب، وإنقاذ شعبه المكلوم والمعرّض كل يوم لتفاقم محنته الكبرى التي لا يمكن أن تنتهي به - إن استمرت الحرب - إلا إلى الجحيم. جحيم الجوع، الفقر، الأوبئة، الموت، واللجوء إلى أمكنة أكثر أماناً حتى وإن كانت الصحراء.

ما تقوم به الإمارات، إنما هو واجبها تجاه السودان، البلد الشقيق الذي يحظى بمكانة خاصة عندها. فعلاقتها به ليس وليدة سنوات قليلة مضت، بل علاقة عمرها عقود تمتد منذ أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، علاقات متميزة، ولم تشبها شائبة على مدار كل تلك السنين، ولهذا فهي تحرص على استمرار مد يد العون للسودان من أجل إنقاذه من انهيارات كبرى قادمة، إنْ استمر الحال على ما هو عليه، وكذلك من أجل حماية أرواح المدنيين الأبرياء كلهم بلا استثناء، وتلك هي المسألة الأسمى بالنسبة لها في بلد ضعيف متهالك تأكله الصراعات بين أبناء البلد الواحد.