تعيش البشرية اليوم الثورة الصناعية الخامسة، وقد كانت قبل فترة وجيزة للغاية التطورات مبعثرة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والروبوتات وتكنولوجيا النانو، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وعلم الوراثة والتكنولوجيا الحيوية، بينما هي اليوم تعتمد على بعضها البعض وتعزّز بعضها بعضاً، ولكن هل توجد تقنيات ستغير الاقتصاد العالمي بحلول عام 2025 أكثر من غيرها؟ أولاً في المتوسط، وبحلول عام 2025، سيكون أكثر من ثلث مجموعات المهارات الأساسية المطلوبة في معظم المهن لا تعتبر مهارات أساسية لموظفي اليوم، مما سيشكل تحدياً حقيقياً لكل دول العالم وفي الغالب سيحال الكثيرون إلى التقاعد في السنوات القادمة.

وفي عالمنا العربي سيكون الحل مخيفاً، وينم عن ضعف في توفر قيادات مواكبة للتغيير التكنولوجي وإدارة التغيير التقني المركب، وهو نمط من الإدارة المعقدة التي تشمل أوجهاً عديدة للتغيير المستدام الذي سيهتم بالمهارات الداخلية النفسية والعقلية، ونمط حياة الموظف، بقدر اهتمامه بالمهارات الخارجية للموظف، وسيشكل غياب تلك القيادات أزمة متنامية الأطراف، والتي ستكون أهم مهاراتها القدرة على التكيف ومرونة الفكر والتفكير، وبدلاً من إرسال الموظفين إلى بيوتهم والتكفل برواتبهم دون إنتاج، ستكون القوى العاملة في البيوت هي صمام أمان نهضة الأمم وليست عبئاً على المؤسسات.

لا يراهن المختصون أن كل برامج ونظم وشبكات وتطبيقات وتقنيات وأجهزة التكنولوجيا الناشئة سوف تساهم في تغيير المشهد التجاري أو السياسي أو الاجتماعي، والتقنيات التي ستقود الثورة الصناعية الخامسة ستتمتع بقدرات خاصة لتغيير الوضع الراهن، وتغيير الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون بها، بل إعادة ترتيب القيم والمفاهيم والأفكار والتوجهات الكبرى في العالم ومن أهمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقدم التعلم الآلي وواجهات المستخدم مثل تقنية التعرف على الكلام والإيماءات لزيادة الإنتاجية، أو القضاء على بعض الأعمال المعرفية تماماً كما هو الحال مع التكنولوجيا السحابية، والتي ستقدم من خلالها جميع خدمات تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات الويب تقريباً، والمزيد من المؤسسات التي تستخدم السحابة العامة مع التطورات الثورية التي ستطرأ على الأمن السيبراني، ومن جهة أخرى فإن الإنترنت، عبر الهاتف النقال، وارتباطه مع الواجهات وأجهزة الاستشعار والتطبيقات المتقدمة، ستخضع لسيطرة أجهزة الحوسبة المحمولة على الاتصال بالإنترنت، وبحلول عام 2025 سيتمكن 4.3 مليار شخص إضافي من الوصول إلى الاتصال عبر الهاتف المحمول، وهو ما سيغير وجه التجارة الإلكترونية والاقتصاد الافتراضي إلى الأبد.

ومن الأمور الأخرى التي ستلعب دوراً مهماً في الاقتصاد فيما هو قادم هي «تقنية الواقع الافتراضي والمعزّز»، وهي صناعة تساوي 7 مليارات دولار حالياً، وستصبح سوقاً بقيمة 80 مليار دولار بحلول عام 2025، وترقيات كبيرة على البنية التحتية للتكنولوجيا، وسيتم تشكيل نظام بيئي للتطبيقات للمستهلكين والشركات على حد سواء، ناهيك عن تكنولوجيا إنترنت الأشياء والروبوتات المتقدمة، وهما أمران سوف يغيران طريقة تقديم المنتجات والخدمات، وسيرتبط ذلك بالتكنولوجيا البيومترية.

فقد كشفت دراسة حديثة لأخصائيي الأمن أن 72% من الشركات تخطط للتخلي عن كلمات المرور التقليدية بحلول عام 2025، وسيؤدي ذلك إلى ظهور خدمات ترخيص جديدة للتعرف على الوجه والصوت والعين واليد والتوقيع، ولا نستطيع أن نذكر كل ما سبق دون الحديث عن الطباعة ثلاثية الأبعاد ومستويات غير مسبوقة من التخصيص الشامل وتقليل تكلفة سلاسل التوريد بشكل كبير، مما يولد تأثيراً اقتصادياً يقدر بنحو 230 إلى 550 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2025.

وفي مجال علم الجينوم، سوف تنمو تكنولوجيا الهندسة الوراثية مع سرعات معالجة الكمبيوتر العالية، وستعمل تقنيات تسلسل الحمض النووي والتحليلات المتقدمة على تحسين الإنتاج الزراعي، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وإطالة متوسط ​​العمر المتوقع للإنسان.

وكل تلك التقنيات ستحتاج إلى سلسلة الكتل وما يعرف بتقنية Blockchain لإجراء المعاملات المبسطة والآمنة في الاستخدام التجاري، كما ستكون التقنيات الكمومية الصغيرة متاحة تجارياً في غضون خمس سنوات، وستساعد الشركات على زيادة الإيرادات وخفض التكاليف وخفض الاستثمارات في البنية التحتية.

*كاتب وباحث إماراتي متخصص في التعايش السلمي وحوار الثقافات.