تتزايد المخاوف من اندلاع حرب بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان، بعد أن تصاعدت حدة التوترات على المناطق الحدودية في جنوب لبنان، حيث شهدت تبادلاً لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي الحزب منذ الثامن من أكتوبر الماضي، مما قد يشعل حرباً إقليمية، لا سيما بعد أن هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارته لواشنطن بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، حسب تعبيره، قائلاً إن الحكومة الإسرائيلية «تستعد لكل السيناريوهات».

ومن جانبه حذّر حسن نصرالله، الأمين العام لـ«حزب الله»، من أن أي مكان في إسرائيل «لن يكون بمنأى» عن صواريخ مقاتليه في حال اندلاع حرب. لذا فالسؤال الآن: ما هي عواقب اتساع رقعة المواجهات بين «حرب الله» وإسرائيل على المنطقة؟ وهل يمكن أن تتحول المواجهات بينهما إلى «حرب شاملة»؟ دعت السفيرة الأميركية في لبنان، ليزا جونسون، إلى حل الصراعات في غزة وعلى الخط الأزرق الحدودي جنوب لبنان بسرعة ودبلوماسية، وأعلنت يوم الخميس الماضي أن بلادَها تركز على منع المزيد من التصعيد. بينما يتزايد قلق الأطراف الإقليمية، خاصة دول الجوار، من احتمال خروج الصراع عن نطاق السيطرة في ظل استدعاء العديد من الدول مواطنيها من لبنان وتقليص البعثات الدبلوماسية.

واقعياً يعيش لبنان في ظل أوضاع اقتصادية سيئة منذ انهيار منظومته المالية في عام 2019، كما تتهاوى أجهزة الدولة اللبنانية نتيجة للخلافات الطائفية وعدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات، بينما يظل مقعد الرئاسة شاغراً. لذلك فلبنان اليوم دولة متداعية، ليس بوسعها تحمل تكلفة حرب أخرى بين «حزب الله» وإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر، فقد فشلت إسرائيل حتى الآن في تحقيق أهداف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المعلنة في غزة، وهي القضاء على «حماس» وإعادة الرهائن، لذلك فإسرائيل أيضاً ليست في وضع يسمح لها بشن حرب أخرى. لقد فتح «حزب الله» جبهة لمشاغلة إسرائيل في الشمال، في وقت لم ترد إسرائيل فيه الانشغال بما سوى جبهة الحرب على غزة، رغم أنه -وعلى مدى الأشهر الثمانية الماضية- غادر ما يزيد على 150 ألف شخص في المنطقة الحدودية مدنهم وقراهم بسبب الحرب المستمرة، وأسفر التصعيد عن مقتل 479 شخصاً على الأقل في لبنان، بينهم ما لا يقل عن 313 مقاتلاً من «حزب الله» و93 مدنياً، كما سقط حوالي 30 قتيلا على الجانب الإسرائيلي. إلا أن إسرائيل و«حزب الله»، ورغم حرب التصريحات والتسريبات المستمرة والقصف المتبادل عبر الحدود، يركزان بشكل رئيسي على الأهداف العسكرية ويحاول كل منهما توجيه ضرباته إلى الأهداف الاستراتيجية، متجنبَين حتى الآن الانزلاقَ إلى حرب شاملة.

يدرك «حزب الله» أن الحرب من شأنها تدمير لبنان، مع وقوع آلاف الضحايا، كما تدرك إسرائيل أن ما واجهته في غزة خلال الأشهر الماضية، من دون تحقيق أهدافها الكاملة، سيكون أقل من متاعب حرب محتملة مع «حزب الله».

من الواضح أن الحزب وإسرائيل يدركان أن أي حرب شاملة بينهما ستكون مكلفةً للطرفين. وفي ظل سباق التهدئة الإقليمية والدولية لتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب أخرى ستتحول بحكم الأجندات المتداخلة على الساحة اللبنانية إلى نزاع إقليمي واسع، يدرك الجميع أن مفاتيح التهدئة والتصعيد بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.