أدانت دولة الإمارات، وبأشد العبارات، الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة التي أدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، مؤكدةً رفضَها القاطع استهدافَ المدنيين والأحياء السكنية. وأكدت وزارة الخارجية لدولة الإمارات ضرورةَ الوقف الفوري لإطلاق النار لمنع المزيد من سفك الدماء، مؤكدةً أهميةَ أن ينعم المدنيون والمؤسسات المدنية بالحماية الكاملة بموجب القانون الدولي والمعاهدات الدولية وضرورة ألا يكونوا هدفاً للصراع.
وتدخل غزة شهرَها التاسع في الحرب، بينما يتعرض وقف إطلاق النار لـ «نيران صديقة». وهناك جولات أميركية مكوكية ولقاءات إسرائيلية وعربية، في مسعى للتوصل إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار. وفي الوقت نفسه يخوض نتنياهو عدة معارك، فهو يريد أن يهزم «حماس»، لكنه يخوض معركة «تطهير عرقي» يقتل خلالها المدنيين والأطفال والنساء، متذرِّعاً بمعركته مع «حماس»، وبذلك يقع في مُحرّمٍ أكبر وهو «الإبادة الجماعية». وهذا ما دونته محكمة العدل الدولية، متحدثةً عن جريمة الإبادة الجماعية، بالأدلة الحية والمصورة. وبالطبع فقد رفضت إسرائيل قرارات المحكمة، والتي جاءت إثر دعوى تقدمت بها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب «إبادة جماعية» في قطاع غزة، وانضمت إليها عدة دول لاحقاً. المحكمة أمرت إسرائيل بوقف هجومها على «رفح» وبالسماح بدخول المساعدات إلى القطاع المنكوب.. لكن أيضاً دون استجابة!
وتحاول إسرائيل أن تبرر لنفسها تلك الأفعال بحجة «الدفاع عن النفس»، لكنها تقوم بانتهاك صارخ لقواعد «القانون الدولي الإنساني». والثابت في هذا الخصوص أن «للشعب الرازح تحت نيران الاحتلال الحق في المقاومة والدفاع عن نفسه، بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الكفاح المسلح، للتخلص من أسر الاحتلال».
ومن أوجه الغرابة في هذا الموضوع أن المسؤولين الغربيين، لاسيما الأميركيين والبريطانيين والألمان، ما فتئوا يرددون قولَهم بأنه لإسرائيل «الحق في الدفاع عن نفسها»!
مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومن جانبها فقد أعلنت إسرائيل عن «إلغاء قانون فك الارتباط بشمال الضفة الغربية» رداً على اعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية. جالانت قال إن الإلغاء سيُطبق على مستوطنات تم إخلاؤها بالضفة الغربية في عهد رئيس الوزراء شارون عام 2005، ما يعني السماح بعودة المستوطنين إليها مجدداً، علاوة على تدريب وتسليح المستوطنين اليهود الذين يقومون بالاعتداءات الممنهجة، وبإرهاب المواطنين الفلسطينيين العُزّل، واقتحام المسجد الأقصى.. بتشجيع وحراسة من الجيش الإسرائيلي!
وعلى الجانب الأميركي، فالثابت سياسياً هو «الفيتو» الذي لا تفتأ واشنطن تستخدمه تجاه القضية الفلسطينية. والتفسير الأميركي لذلك أن الأمم المتحدة ليست المكان الملائم لمعالجة هذه القضية، بل إن مجرد طرحها على هذا المحفل الأممي هو المعوق الأساسي لحلها!
وفي ضوء المعطيات القائمة، يتطلب الأمر فلسطينياً: إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، سياسياً ومؤسسياً، مع ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني، لمواجهة الظروف المحيطة بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، إضافةً إلى تقوية الصلات بالمعارضة الإسرائيلية، ضد تطلعات نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف. وفي الوقت ذاته، يتطلب الأمرُ متابعةً حثيثةً للعلاقات مع الجاليات الفلسطينية والعربية في الخارج للاستفادة من زخم التضامن والمناصرة التي سجلها الشارع الأوروبي والأميركي، لاسيما داخل الجامعات.. وتحفيز الدول الأوروبية بالخصوص للانضمام إلى قائمة الاعترافات بالدولة الفلسطينية.
وأختم هنا بمقولة السناتور الأميركي ليندسي غراهام، والتي أدلى بها أثناء زيارته لإسرائيل: «لا أمن لإسرائيل من دون أمل للفلسطينيين.. إنه غير ممكن، وكلما أسرعنا في تحقيق ذلك، كان الأمر أفضل.. والوقت ينفد منا، والانتخابات الأميركية تقترب».
*سفير سابق