كتب الفلسطيني «فايز صايغ» ذات يوم أنه عندما كانت الجماعات المؤيدة لإسرائيل تبدو في أقوى حالاتها، فإنها كانت تخفي ضعفها. وتشهد على ذلك الإجراءات والتصريحات الأخيرة التي اتخذها الكونجرس والجماعات المؤيدة لإسرائيل، والانحدار الحاد في مكانة إسرائيل بين الناخبين الأميركيين. لقد ظلت إسرائيل تخسر شعبيتها في الرأي العام الأميركي منذ ما قبل السابع من أكتوبر بفترة طويلة. وأظهرت استطلاعات الرأي أن الشباب والأميركيين ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية والآسيوية يحملون وجهات نظر أكثر سلبية إلى حد ما تجاه الإسرائيليين، ويحملون المزيد من الدعم للفلسطينيين. وبينما احتفظت إسرائيل بشكل عام بالدعم، فإن سياساتها تعارضها بشدة الأغلبية من جميع الفئات السكانية، حيث تدعم الأغلبية قطع المساعدات الأميركية لإسرائيل بسبب بناء المستوطنات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي السنوات الأخيرة، شنت الجماعات المؤيدة لإسرائيل هجوماً متعدد الجوانب، بما في ذلك: تشويه الناشطين وأعضاء الكونجرس المؤيدين للفلسطينيين، وإقرار قوانين في الولايات تعاقب مؤيدي مقاطعة إسرائيل، أو فرض عقوبات عليها، ومساواة انتقاد إسرائيل بمعاداة السامية، وشن حملة لتحسين صورة إسرائيل. وبعد هجوم «حماس»، أهدرت إسرائيل الفرصة لاستعادة الدعم المفقود من خلال ممارسات عنيفة وتجاهل مفرط لحياة الفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى إضعاف مكانة إسرائيل، وخاصة بين «الديمقراطيين» وقطاعات رئيسية من قاعدتهم.
ومع ذلك، تحظى إسرائيل بدعم مستمر من البيت الأبيض، وقيادة الكونجرس من الحزبين، ووسائل الإعلام الرئيسية، ومعظم المعلقين و«المحللين» الذين ما زالوا يتلقون الروايات الإسرائيلية للأحداث. وقد دافع مسؤولو إدارة بايدن باستمرار عن السلوكيات الإسرائيلية، حتى عندما اقترحوا ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين. وتعكس «التسريبات» من مديري وسائل الإعلام الأميركية مواقف إسرائيل، وهؤلاء يخبرون الموظفين بكيفية تغطية القصص - أي ما يجب، وما لا يجوز أن يقال - . وكانت تصريحات قادة الكونجرس التي تدافع عن التصرفات الإسرائيلية مخجلة بشكل خاص.وعلى الرغم من هذه الميزة من القمة إلى القاع، فإن المشاكل تتسرب من الأسفل، إذ تستمر إسرائيل في فقدان الدعم من الناخبين «الديمقراطيين» الرئيسيين، ويؤثر هذا التراجع على دعم الرئيس.
وفي حين أن الانخفاض الحاد في دعم الأميركيين العرب وأكثر من نصف مليون من الأصوات الأولية من «غير الملتزمين» قد تصدر الأخبار، إلا أن المشكلة أعمق. حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً انخفاضاً كبيراً في دعم بايدن بين الناخبين من ذوي الأصول الأفريقية، مع الإشارة إلى دعمه لإسرائيل كأحد الأسباب. والمزاج المتغير بين الناخبين تجاه إسرائيل له طابع ناشط: مظاهرات حاشدة في المدن الكبرى، مئات الحكومات المحلية والمؤسسات الكبرى والنقابات تنتقد الممارسات الإسرائيلية، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، ورجال الدين من ذوي الأصول الأفريقية، والزعماء الكاثوليك، والكنائس البروتستانتية الكبرى، ومجموعات بارزة من الشباب اليهود التقدميين الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار ووضع شروط للمساعدات العسكرية لإسرائيل.
كما تدعو المظاهرات المناهضة للحرب التي يقودها الطلاب ومخيمات الاحتجاج في الكليات والجامعات الأميركية إلى وقف إطلاق النار، وتطالب بسحب الاستثمارات من الشركات الأميركية التي تدعم إسرائيل.
وبينما تظل قيادة الكونجرس داعمة لإسرائيل، فقد وقّع عدد متزايد من أعضاء مجلس «الشيوخ» والنواب على رسائل تدعو إلى فرض شروط على المساعدات المقدمة لإسرائيل، أو صوتوا ضد التشريعات المؤيدة لإسرائيل. ومن الواضح أن التغيير يجري على قدم وساق، مما دفع الجماعات المؤيدة لإسرائيل إلى إطلاق حملة شاملة، ليس لطرح قضيتها ولكن لسحق معارضيها. إنه أمر شرس ويشكل تهديدا لديمقراطيتنا. وقد خصصت إحدى مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل مبلغ 100 مليون دولار لدحر أعضاء الكونجرس الداعمين للحقوق الفلسطينية. وعلى أعلى تقدير، تكلف انتخابات عضو الكونجرس نحو 5 ملايين دولار، لذا فإن تخصيص مبلغ 20 مليون دولار لهزيمة النائب جمال بومان هو مبلغ فاحش بالمقارنة.
وفي الكونجرس، تدفع هذه المجموعات من أجل إصدار تشريع وطني يساوي بين معارضة إسرائيل ومعاداة السامية، ويحرم الكليات والجامعات التي لا يجتاز اختبار النقاء المؤيد لإسرائيل من التمويل الفيدرالي. وقد أقر مجلس النواب تشريعاً يلغي الإعفاء الضريبي للمؤسسات التي تعتبر «داعمة» للمنظمات الإرهابية (والتي تشمل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية). ومؤخرا، هدد زعماء الكونجرس المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات إذا اتهموا أي زعيم إسرائيلي بارتكاب جرائم وقاموا بتوسيع الحظر على التمويل الأميركي للأونروا. يردد قادة الكونجرس والجماعات المؤيدة لإسرائيل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في وصف الطلاب المحتجين بمعادي السامية (على الرغم من أن عدداً كبيراً بشكل غير متناسب هم من اليهود) ومساواة الاحتجاجات بالحملات النازية المعادية للسامية التي سبقت المحرقة.
وأخيراً، تقوم الجماعات المؤيدة لإسرائيل «بكشف» المؤسسات التي تدعم الجماعات اليهودية التقدمية المعارضة لإسرائيل، وتدعو إلى نبذها من قبل المجتمع اليهودي. في حين أن هذه الإجراءات قد تبدو وكأنها تُظهر القوة، إلا أنها في الواقع تكشف الضعف. إن الجهود المبذولة لضبط الخطاب وسحق الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وسياساتها تذكرنا بعصر مكارثي. ولكن لأن السلوكيات الإسرائيلية لن تتغير، فإن المنتقدين لن «يستسلموا بسهولة». وبدلاً من ذلك، فإن تصميمهم سيزداد قوة - وقد يؤدي في النهاية إلى الإضرار بمحاولة الرئيس بايدن لإعادة انتخابه.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن