نشعر كلنا بأزمة مع الوقت، إننا بصدد مواجهة مع زمن يسرع الخطى ونضطر لملاحقته، يمر الوقت سريعاً، كل الوقت عدا استثناء وحيد، الأوقات الصعبة، الحزينة، مع حدث سيئ أو فقد سواء أكان متوقعاً أم غير متوقع، امتحان صعب لا يمكن حله، موقف محرج، بخلاف ذلك، تلهث الدقائق طاويةً الأيام لتجمع الأسابيع وتطوي العمر في رفة جفن.
السؤال الدائم الشاغل لنا: كيف يمر الوقت بهذا السرعة؟ هل هناك تفسير علمي لذلك، أم أن الأمر نفسي بحت يتعلق بمفهومنا عن الزمن وعلاقتنا به، وبما نفعله خلال حياتنا، فيكون الانشغال هو سبب مرور الوقت بسرعة، والعمل بشكل تقليدي روتيني متكرر سبب في ثقل الوقت وعدم مروره؟
يتعلق الزمن بالإدراك، مما يجعلنا نملك زمنين في الحقيقة، وليس زمناً واحداً؛ الزمن العادي، والزمن الإدراكي.. الأول ثابت لنا جميعاً، دقيقته مكونة من 60 ثانية، وساعته مكونة من 60 دقيقة، ويومه من 24 ساعة.. لكن ماذا عن الثاني؟
الزمن الإدراكي يتعلق بمجموعة من العناصر، أهمها أنه مرتبط بما نفعله، وأيضاً بكثافة الحياة وزخمها ومدى انشغالنا بها. أما العنصر الثاني المتعلق به فهو روتينية الحياة.. هل يذكر المرء ماذا فعل تحديداً في يوم عادي يتكرر؟ يتذكر الإنسان الحدثَ العام، أما اليوم فيشبه غيره، فلا نذكر توقيت الحدث تحديداً. إن هذا التآكل الذي يحدث في الذاكرة يشبه حركة جَزْر من دون مد، ينحسر فيها الماء كما تنحسر الذكريات من الرأس، لتترك اليابسة وحيدةً حزينة بمفردها. العنصر الثالث المرتبط بالزمن الإدراكي هو عمر الإنسان نفسه، فكبار السن يشعرون بالوقت أكثر من الشباب، وذلك لأن ما يمرون به من أحداث أقل من تلك التي يمر بها الشباب خلال يومهم.
والآن يبقى سؤال واحد محير: كيف نسبق الزمن؟
رغم عدم محبتي للإجابات النموذجية فإن لهذا السؤال إجابة نموذجية بالفعل: ببساطة أن نقلص الزمن الضائع في حياتنا، وهذه الإجابة تطرح سؤالاً آخرَ: كيف يمكن فعل ذلك؟
يحتاج الإنسان طوال الوقت للتعلم واكتساب مهارات جديدة، وعدم استهلاك الوقت بشكل سلبي، فلا داعي للأوقات الطويلة التي نقضيها في ممارسة سلوكيات غير مفيدة، مثل الوقت الذي نلازم فيه جوالاتنا من دون فائدة. أما الأمر الثالث والأخير والأهم فهو عدم النبش في الماضي واستحضاره طوال الوقت، ليس الماضي فحسب، بل المستقبل أيضاً، فلا نركز إلا في اللحظة الحالية ونستغرق فيها تماماً.
وأخيراً، كنتُ قد قلت خلال الجزء الأول من المقال أن هناك سبباً علمياً قد يكون وراء ذلك، وهذا السبب يرجع إلى مادة الدوبامين التي يفرزها الجسم خلال انهماكه في العمل، مما يسبب قلة الفواصل الزمنية بين إشارات الأعصاب، الأمر الذي يمنح الإنسان إحساساً بتسارع الوقت.
إن الزمن ليس منافساً أو خصماً، بل أتخيله رفيقاً يصاحبنا طوال الحياة.. بهذا الشكل يمكن التصالح معه، والاستفادة من كل لحظة بشكل كبير يجعل الحياة أبسط وأيسر وأجمل.
*كاتبة سعودية