حرب الدبابات.. من كورسك إلى أوكرانيا
من المتوقع أن تبدأ «هجمات الربيع» المرتقبة في أوكرانيا حالما تتحسن الظروف الجوية وتصبح الأرض غير موحلة وغير معيقة لحركة المركبات المدرعة الثقيلة. وفي غضون ذلك، تنخرط كل من روسيا وأوكرانيا حالياً في استعدادات محمومة لهذه الحملة. وتأمل أوكرانيا في أن تكون قادرة على إدخال دبابات غربية جديدة ضمن ترسانتها، وخاصة دبابة «ليوبارد» المستخدمة على نطاق واسع من قبل قوات حلف «الناتو».
وقد ظهرت الدبابة العصرية لأول مرة على ساحات معارك الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى. وكانت الدبابات الأولى التي طوّرتها بريطانيا وفرنسا غير موثوقة ولم تُحدِث فرقاً بالنسبة لتكتيكات حرب الخنادق التي قتلت أعداداً كبيرةً جداً من جنود المشاة على كل الجوانب. غير أنه بحلول عام 1918 منحت تصميماتُ المحرك الجديد، وأنظمة التعليق المحسنة، والدروع الأفضل، وجنازير الدبابات التي صارت أكثر موثوقية.. الحلفاءَ تَفوُّقاً واضحاً على الألمان الذين تخلوا تقريباً عن تطوير الدبابات.
وخلال سنوات ما بعد الحربين، كانت هناك تحسنات مطردة في تكنولوجيا الدبابات وعقائد استخدام المركبات المدرعة في الحرب. فبعد وقت قصير على تولي هيتلر السلطةَ في عام 1933، أخذ ينتهك بشكل واضح وصريح القيودَ التي فرضتها اتفاقيةُ فيرساي لعام 1919 على التسلح الألماني، إذ أمر بإنتاج الدبابات إنتاجاً كاملا. وبحلول عام 1939، استُخدمت الدباباتُ الألمانية «بانزر» كرأس حربة لغزو بولندا وأوروبا الغربية بفعّالية مدمرة. وفي عام 1941 غزا هيتلر الاتحاد السوفييتي، وفي المعارك التي تلت ذلك كانت الدباباتُ السلاحَ المهم لكلا الجيشين. وفي عام 1943، وقعت أكبرُ حرب دبابات في التاريخ في كورسك في جنوب الاتحاد السوفييتي، إذ استُخدمت فيها أكثر من 6 آلاف دبابة في معركة فاز فيها السوفييت.
كما استُخدمت الدبابات خلال الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953، لكنها كانت أقلَّ فائدةً في فيتنام بسبب التضاريس المبللة بالمطر. وكانت الدبابات عاملا رئيسياً في العديد من حروب الشرق الأوسط وخاصة إبان الحرب العالمية الثانية والحروب العربية الإسرائيلية.
وعندما بدأت حرب أوكرانيا في فبراير 2022 كان الجيش الأوكراني مجهزاً بمركبات مدرعة من الحقبة السوفييتية. لكن في بداية عام 2023، وافقت بلدان الناتو على تزويد أوكرانيا بدبابات من مخزوناتها الخاصة. ومنذ ذلك الحين، انخرط عسكريون أوكرانيون في تدريبات مكثفة في الغرب من أجل تعلم وإتقان استخدام الدبابات الجديدة وصيانتها. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن أوكرانيا استطاعت خلال الأيام الأولى من الحرب استخدام أسلحة غربية مضادة للدبابات لهزم مئات الدبابات الروسية التي استُخدمت في الأيام الأولى للحرب.
السؤال الكبير الآن هو ما إن كانت القوات الأوكرانية، المزودة بدبابات جديدة، ستكون قادرة على اختراق الخطوط الروسية على الأرض والسيطرة على الأراضي والاحتفاظ بها. هناك عدد من العوامل التي يمكن أن تؤثّر على المعارك مثل حالة الطقس، ومعنويات الدفاعات الروسية وفعّاليتها، وقدرة الأوكرانيين على الاستمرار في هجوم سيتطلب عملية إعادة تموين وتزويد دائمة بالوقود والذخيرة والطعام وأطقم الصيانة والمعدات لضمان استمرار الزخم. غير أن حالة جمود على الميدان لا يحرز فيها أي من الطرفين تقدماً كبيراً ستشكّل انتكاسةً كبيرةً. وفي حالة أوكرانيا وأنصارها، يمكن أن يزيد ذلك من الدعوات إلى تسويةٍ متفَاوض بشأنها مع روسيا. وهذا سيمثّل نتيجةً مرة بالنسبة لأوكرانيا، لكنه قد يكون أمراً لا مناص منه في حال قال الزعماء الغربيون للرئيس زيلينسكي إن عليه أن يختار تسويةً بدون انتصار تام.
وبالمقابل، إذا حققت أوكرانيا تقدماً حاسماً واضطرت القواتُ الروسية للانسحاب من بعض الأراضي، فهل ستكون موسكو مستعدةً للتوصل إلى تسوية؟ في هذه المرحلة، يبدو ذلك مستبعداً اللهم إلا إذا رأت الصين وبلدان محايدة مثل الهند أن إطالة أمد الحرب خطير جداً على الاستقرار الدولي والاقتصاد العالمي.
*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز ناشيونال إنترست -واشنطن