دور البرامج والأنشطة الفضائية في دعم الاستدامة الشاملة
أصبح تحقيق الاستدامة الشاملة ضرورة مُلحَّة، ومطلبًا بشريًّا؛ نظرًا إلى الآمال المرجوَّة منه؛ والتحديات الناجمة عنه التي تتطلَّب تحركات دوليَّة عاجلة على أكثر من صعيد؛ وفي هذا السياق تبرز أهمية البرامج والأنشطة الفضائية في دعم مفهوم الاستدامة على كوكب الأرض، ودورها الكبير في تحقيق استدامة البيئة الفضائية، والمحافظة عليها.
وتسهم البرامج والأنشطة الفضائية بمختلف أنواعها -إسهامًا مباشرًا أو غير مباشر- في إنجاز خطة التنمية المستدامة المكوَّنة من 17 هدفًا، التي اعتمدتها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة بالإجماع في عام 2015، وتهدف إلى تحديد اتجاه السياسات العالمية والوطنية المعنيَّة بالتنمية، وتحقيق تنمية بشرية مستدامة عامَّة بحلول عام 2030.
وتوفر الأقمار الصناعية -على سبيل المثال- صورًا فضائية، وتُجري قياسات متخصصة تساعد على اكتشاف مصادر الثروات الطبيعية في الأرض واستخدامها، ولا سيَّما تحديد مصادر المياه والأراضي الصالحة للزراعة ومراقبة المحاصيل؛ ما يؤدي دورًا كبيرًا في تحقيق الهدف الأول في خطة التنمية المستدامة (القضاء على الفقر)، والثاني (القضاء التام على الجوع).
وتتضمَّن الأنشطة الفضائية، التي تسهم في تحقيق الهدف الثالث (الصحة الجيدة والرفاه)، تقديم أقمار الاتصالات الفضائية الرعاية الطبية من بُعد إلى بعض المرضى في دول العالم، وابتكار تقنيات تتحوَّل بمرور الوقت تقنياتٍ طبية تُستخدَم على نطاق واسع في مجال الرعاية الصحية.
وتربط أقمار الاتصالات الفضائية مدارس المناطق النائية بالمراكز والجامعات وشبكة الإنترنت العالمية؛ ما يعزز نقل المعرفة إلى المناطق الريفية وصولًا إلى تحقيق الهدف الرابع (التعليم الجيد)؛ في حين أن الشغف بالفضاء يسهم في دعم الابتكار التقني، وإيجاد تقنيات عالية يُحوَّر كثير منها للاستخدام على الأرض وحل بعض التحديات التي تواجهها؛ وهو ما ينص عليه الهدف التاسع (الصناعة والابتكار والبنية التحتية).
وفي الهدف الثالث عشر (العمل المناخي) تسهم الأقمار الصناعية في مراقبة الأرض على مدار الساعة؛ ما يوفّر بيانات فضائية تساعد على فَهْم الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، وإيجاد حلول عملية للتحديات البيئية والمناخية.
ومن جانب آخر لا يقلُّ تحقيق استدامة البيئة الفضائية، والمحافظة عليها، أهميةً عن الاستدامة على كوكب الأرض؛ ذلك أن الاستدامة الفضائية عامل رئيس في الوصول إلى التنمية المستدامة الشاملة؛ نظرًا إلى وجود أكثر من 5000 قمر صناعي فعَّال؛ وما تمثله الأقمار الصناعية من تحديات أبرزها المخلَّفات الفضائية (الأقمار المنتهية الصلاحية ومخلَّفات الصواريخ وغيرها)، التي تُقدَّر بنحو 35 ألف قطعة (أكبر من 10 سنتيمترات)، ونحو مليون قطعة (من 1 إلى 10 سنتيمترات)، وتهدد الاستخدام السلمي للفضاء؛ ما دفع الهيئات الدولية ذات العلاقة إلى إبرام معاهدات وتشريعات أممية لحماية البيئة الفضائية.
وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة باكرًا أهمية الاستدامة الشاملة؛ فاتخذت سلسلة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق بيئة مستدامة، وأعلنت 2023 عامًا للاستدامة تحت شعار «اليوم للغد». كما أدركت أهمية الفضاء للتنمية المستدامة، فسعَتْ جاهدةً إلى الإسهام في حماية البيئة الفضائية بقوانين وتشريعات مثل القانون الخاص بتنظيم قطاع الفضاء، الذي صدر في عام 2019، ويهدف إلى خلق بيئة تشريعية وتنظيمية في قطاع الفضاء الإماراتي تنسجم مع قوانين الدولة وأنظمتها الأخرى، وتحترم المعاهدات الدولية.
وتحرص دولة الإمارات على الاستثمار في مجال الأنشطة الفضائية المختلفة؛ ما جعلها اليوم تملك أكبر قطاع فضائي في المنطقة من حيث الحجم والتنوع، كما تسهم في عقد فعاليات ومؤتمرات فضائية مثل «حوار أبوظبي للفضاء»، الأول من نوعه عالميًّا، الذي عُقد في أبوظبي أخيرًا، ونحو ذلك من البرامج والأنشطة التي تهدف إلى تفعيل الاستفادة من الفضاء، وتسعى في الوقت نفسه إلى حماية الثروة الطبيعية لمصلحة البشرية جمعاء.
سعـادة الدكتور/ محمد ناصر الأحبابي*
*مستشار أول والمدير العام لوكالة الإمارات للفضاء سابقًأ.