أوكرانيا.. وازدواجية المعايير
تذكرنا المعركة الدائرة بين بعض الليبراليين الأميركيين رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا بمناقشات حدثت أعقاب غزو صدام حسين واحتلاله للكويت. حينذاك، بدلاً من التركيز على الكويت، غضب بعض زملائي من دعم الولايات المتحدة الذي قدمته للكويت على الفور، قائلين إنه يعكس «معايير مزدوجة» من الولايات المتحدة. وجادلوا بأن فلسطين محتلة منذ عقود ولم تظهر إدانة أميركية مثل هذه.
وهذا لم يكن له صلة بالموضوع الذي كان بين أيدينا. كنت أؤيد، بالطبع، حق الفلسطينيين في تقرير المصير، لكنني رفضت أن أكون أنا نفسي مزدوج المعايير بإنكار هذا الحق على الكويتيين.
وتتكرر قضية المعايير المزدوجة هذه مرة أخرى اليوم، وإنْ يكن بطريقة متعددة الطبقات. فقد انتقد عدد قليل من الأفراد دعمي لأوكرانيا لأن هذه القضية، كما يعتقدون، تلطخت سمعتها بسبب دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، وبالمعايير الأميركية المزدوجة، بالطبع. لكن الموضوع ليس الولايات المتحدة. فالشعب الأوكراني يواجه هجوماً وحشياً على بلاده واستقلاله. وهذا لا يعني إنكار واقع المعايير المزدوجة للقادة السياسيين الأميركيين، ووسائل الإعلام، والمعلقين المفتقرين للوعي الذاتي حين يظهرون تعصبهم ونفاقهم ضد العرب.
والأمثلة كثيرة. فمن هذه الأمثلة أنه من دون تعليق من الصحافة الأميركية، ندد مسؤول حكومي إسرائيلي بالهجوم الروسي باعتباره «انتهاكاً خطيراً للنظام الدولي» وأعرب آخر عن دعم حكومته «لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها»، كما لو أن إسرائيل قد احترمت هذه المعايير في أي وقت.
وثاني هذه الأمثلة، أنه في وقت مبكر من الغزو، انتشر مقطعا فيديو قصيران على وسائل التواصل الاجتماعي لطفل يلعب ثم يأتي قصف جوي فيحرقه. وآخر لفتاة تضرب جنديا ضعف حجمها وهي تصرخ بأنه يجب عليه العودة لبلاده. فقد تم الزعم بأن الطفل الضحية والفتاة على أنهما أوكرانيان وأن القنبلة والجندي روسيان، وهذا ليس الحقيقة.
فقد كان الطفل فلسطينياً قُتل في غارة جوية إسرائيلية على غزة. وفي الوقت الذي كان يعرض فيه التلفزيون الأميركي أوكرانيين «أبطال» يخزنون قنابل مولوتوف لاستخدامها ضد الغزاة الروس، قُتل صبي فلسطيني يبلغ من العمر 14 عاماً برصاصة لإلقائه زجاجة مولوتوف على سيارة أحد المستوطنين الإسرائيليين. فالطريقة التي يُنظر إليك بها تتحدد بهويتك وليس بما تفعله.
والمثال الثالث يتعلق بالمقاطعة والعقوبات وهما وسيلتان فعالتان غير عنيفتين لمواجهة المعتدين. فقد سارع عدد من حكام الولايات ومشرعيها بإصدار مشروعات قوانين وأوامر تنفيذية تطالب بمقاطعة جميع البضائع الروسية. لكن هذه الولايات نفسها جرمت المقاطعة ضد إسرائيل.
وهناك إجماع من الحزبين على عقوبات ضد روسيا لانتهاكها سيادة أوكرانيا والقانون الدولي، وفي مقابل هذا هناك إجماع مماثل مناهض لفرض عقوبات على إسرائيل، على الرغم من الانتهاكات المستمرة منذ عقود لحقوق الفلسطينيين والقانون الدولي. ومرة أخرى، الأمر لا يتعلق بما تفعله، بل بمن أنت. ورابع الأمثلة، لقي اللاجئون الأوكرانيون ترحيبا من الدول الأوروبية نفسها التي أغلقت أبوابها في وجه لاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا فارين من صراعات إقليمية. و«أوضح» عدد من المعلقين في وسائل الإعلام وقادة سياسيون أن هؤلاء اللاجئين «المتحضرين مختلفون».
وأخيراً، تؤكد الولايات المتحدة على أن دفاعها عن أوكرانيا هو دفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان والديمقراطية، وهذه مفاهيم لم تطبقها الولايات المتحدة قط لإقرار حقوق وحريات الشعب الفلسطيني. هذه المعايير المزدوجة أمر مؤسف ويجب التصدي لها، لكنها لا تنفي سلامة وإلحاحية الدفاع عن حقوق الشعب الأوكراني. وعلى الرغم من المعايير المزدوجة للآخرين، لا يمكننا السماح لأنفسنا بإصدار أحكام بناء على المنطق الشرير نفسه لنقر انتقائيا حقوقاً للبعض وننكرها على البعض الآخر.
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن