«عندما رأيت رؤية القلب لا العين المسافة التي قطعها منير نايفة وأشقاؤه من قرية شويكه في الأرض المحتلة إلى قمة العلوم العالمية. بكيت»، هكذا استهل الفصل الأول من كتابي «حكايات سندباد علمي»، الذي نشرت فصول منه مجلة «العربي» الكويتية عام 2000. ورويت فيه كيف غادر قرية شويكه المزارع حسن نايفة وزوجته خضرة وأبناؤه بحثاً عن عمل وسكن ومدرسة في طولكرم، ورام الله، وجنين، واللد، والقدس، وعلى امتداد نهر الأردن، والحدود السورية.. الابن البكر علي نايفة، الذي هرب من ملاحقه البوليس السياسي رحل إلى الولايات المتحدة، حيث درس في جامعة ستانفورد، التي تعد من أرقي الجامعات العالمية، وحقق نتائج باهرة حين حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه خلال أربع سنوات. وتبعه إخوته على طريق العلوم، حيث أصبح «منير» أستاذ الفيزياء في جامعة «إيلينوي»، وعدنان أستاذ الهندسة الفضائية في جامعة «سنسناتي»، وتيسير رئيس مركز الفضاء في ولاية كليفلاند.
ويروي «منير نايفة» في مذكراته بالإنجليزية كيف طرق رجال المخابرات في بلدة «البيرة» باب منزلهم ومعهم قائمقام البلدة، وهو صديق للأسرة، فاعتذر للأم التي كانت لوحدها، قائلاً إنهم يبحثون عن منشورات سياسية محظورة يُشَكُّ في أن ابنها «علي» يروج لها. فتشوا الخزانات والأدراج والصناديق، وكان القائمقام يدردش مع الأم، التي كانت ترقب كل حركة يقوم بها مستخدمو المخابرات، وعندما اقتربوا من دُرج معين حثّتهم بلهجة واثقة على مواصلة البحث، فأدراج كثيرة تنتظرهم كهذا الدُرج. واعتذر القائمقام من «الحاجّة» وطلب منهم الاكتفاء، وحالما غادروا انهارت على الأرض، وأوشك منير أن ينهار معها عندما أشارت إلى الدُّرج الذي توقفوا عنده: «المنشورات هناك يا ابني».
وأثار منير نايفة اهتماماً عالمياً واسعاً في تسعينيات القرن الماضي، حين حرّك ذرات منفردة واستخدمها في رسم صورة قلب والحرف P. وذكرت مجلة العلوم البريطانية «نيوساينتست» التي نشرت الصورة على غلافها أنها تعني «أحب الفيزياء»، إلا أن أوساطاً علميةً عربية ذكرت أن الصورة تعني «أحب فلسطين» التي تكتب بالإنجليزية بالحرف P أيضاً. وحذّرَ علماء عرب من ذلك مولولين «راحت عليك نوبل يا ابن نايفة»!
وفي تقرير على الصفحة الأولى لصحيفة عربية تصدر في لندن عام 1994 ذكرت أن المرح الذي أثاره الحدث لا يغطي على حقيقة أن التحكم بالذرات يطلق ثورة تكنولوجية جديدة اسمها «النانو تكنولوجي»، التي تعني جزءاً من المليار، وتنتج أجهزة إلكترونية جديدة أصغر ملايين المرات من الأجهزة الموجودة وقدرتها أكثر منها ملايين المرات.
وقد يحقق ذلك جيل جديد من سلالة علماء نايفة، وبينهم حسن (دكتور علوم الكمبيوتر)، وعمّار (دكتور الهندسة الكهربائية)، وأسامة (دكتور تكنولوجيا النانو)، وثامر (دكتور الهندسة الآلية)، وماهر (دكتور الهندسة الإلكترونية)، وطارق (دكتور في الطب ودكتوراه في الهندسة الآلية.
* مستشار في العلوم والتكنولوجيا