صار بديهياً القول والتفكير في فرص العمل الناشئة عن تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات، بقدر ما كان سائداً ومهيمناً الحديث عن ضياع الفرص والأعمال بسبب التكنولوجيا نفسها، لكن إدارة جائحة كوفيد -19 فرضت البحث عن الفوائد والفرص وتجاهل الضعف والتحديات، وبدا مرجحاً أن المصالح التي تتحداها التكنولوجيا الجديدة سوف تقاومها وتحاول إفشالها، وبطبيعة الحال فإن المصالح والظروف المستجدة تبحث عن مكان جديد في عالم الفرص والأعمال والأسواق.
الناس في جميع أنحاء العالم يسائلون أنفسهم اليوم: ماذا يمكننا أن نعمل ونتعلم؟ وكيف ندبر ونحسن تدبير حياتنا في ظل الفرص والتحديات الجديدة؟ إنها القاعدة الأكثر أهمية وتأثيراً على مدى التاريخ والجغرافيا، وهي ببساطة أن يفكر الناس فرادى ومجتمعين في الشؤون والتقانات المؤثرة في حياتهم وأعمالهم، أو هي منحة السماء إلى الأرض أن ينشئوا حول حياتهم وأعمالهم، ثم يتعاقدوا على القيم والأفكار المنظمة والضامنة لهذه المصالح، وهكذا فإن قيم التعاون والتضامن والثقة والإتقان نشأت وترسخت حول التجارة وتبادل المعرفة والسلع والخدمات بين الأفراد والأمم، قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه»، وفي المقابل فقد ذم الله تعالى من وصفهم بقوله: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل».
لقد واجهت البشرية في تاريخها تحديات وكوارث وحروباً هائلة، ويكاد التقدم الإنساني يكون هو مواجهة التحديات والتكيف معها، بمعنى أن البشرية لم تكن لتتقدم لولا التحديات، فلولا التغير المناخي لم تتطور الزراعة، ولولا الحاجة والقصور الإنساني لم تتطور الأسواق والمقايضة، ولولا قسوة الحياة والظروف لم تتطور الثقافة والفنون والآداب والموسيقى.. لكن ويجب الاعتراف أيضاً بأنه في الوقت نفسه لم تكن لتتطور أدوات القتل والحروب والهيمنة والاحتلال والاحتكار لولا التقدم العلمي.. وهي الثنائية الحاكمة للكون والحياة.
تحدث رواد الإصلاح والتنمية، في ظل الشبكية أو الثورة الصناعية الرابعة من قبل جائحة كوفيد -19، عن توجهات يمكن أن تزيد في فرص الأعمال والرفاه الإنساني، مثل التشبيك الفاعل بين الأفراد والمؤسسات والأسواق لتبادل المعرفة وتكامل الأعمال وتنسيقها، والقدرة على العمل والتعليم من بعد، وتعميم وعولمة المعارف والمهارات.
لقد أصبح بمقدور المؤسسات التعليمية والأسر والأفراد، الحصول على مهارات ومعارف واسعة، من خلال الشبكة العنكبوتية، وبتكلفة قليلة، وضمن قدرات معظم الناس، إن لم يكن جميعهم، وما نحتاج إليه في عالم العرب هو أن ننشئ ونكرس الوعي والفاعلية الاجتماعية لأجل التوجه الإيجابي نحو الشبكة، لتكون أداة للمعرفة والعمل والتعليم وتقليل التكاليف وزيادة المنافع، وليس فقط أداة ترفيه وتواصل شخصي مكلفة من غير فائدة أو مردود مالي أو معرفي أو اجتماعي.
تزيد الحاجة اليوم، وبإلحاح، للعمل على تفعيل وتسهيل وتنظيم التعليم والعمل عن بُعد، وفي ذلك يمكن تشجيع وتطوير الأعمال والاتجاهات في هذه المجالات، لتفعيل الشبكة في العمل والتعليم، وتسهيل وصول الناس إليها، وحل المشكلات التقنية والقانونية المصاحبة لهذا النوع من الأعمال، مثل الغش والتزوير أو استخدام وفهم البرمجيات والتكنولوجيا، وتعويض فرص التواصل الاجتماعي عن قرب ببدائل مناسبة، لكن، وبما أن التباعد الاجتماعي أصبح ضرورة صحية، فإننا بحاجة إلى إعادة بناء أسلوب حياتنا على أساس من القيم والفلسفات التي تحمي الإنسان وصحته، ومن أهمها أن يكون الفرد قادراً على العمل بنفسه ولنفسه.. وأن يكون صديق نفسه، وقادراً على بناء المعنى والجدوى مستمداً من ذاته وليس من خارجها، وفي ذلك يمكن للإنسان أن يطور ويفعّل علاقته بالفنون والآداب والهوايات والأعمال والمهارات الفردية والمنزلية، التي تحسّن حياته، وتزيد شعوره الإيجابي نحو ذاته وعالمه الخاص.
*كاتب أردني