بعد تلك المداولات والمشاورات والاجتهادات التي ما خرجنا منها تلك الليلة، إلا مثل فهمنا لذلك المثل العربي القديم «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، وهو قول للإمام علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، لكننا لم نتوقف عند فهم المقولة مثلما توقفنا عند المقولة، وأصل القول الفصيح أن «الوقت كالسيل، إن لم تقطعه قطعك»، وليس السيف، أي إن لم تقطع جريان السيل أو تسبق تدفقه بتجاوزه، أهلكك وأهلك الزرع، وخرّب الدور. المهم بعد تلك المعمعة تمنينا لو أننا بقينا نقيس الوقت بالظل كعادة العرب في صحرائهم، ولا تسوّرنا في معاصمنا اليسرى بساعات، لا نعرف سببها غير أنها عادة متداولة.
لكن بطبيعة الحال أن لكل شيء سبباً، وقد يكون هذا السبب لا تفسير منطقياً له أحياناً، وغير مبني على قاعدة علمية أو أخلاقية أو اجتماعية، لكن في مسألة الساعة في اليد اليسرى قصة، فبداية اختراع ساعة اليد بعد ما كانت الساعة في جيب المعطف أو حول الخصر، بداية نسائية صِرفة، فقد صنعت ساعة اليد مثل أي جواهر تزين رسغ النساء دون الرجال، وذلك في عام 1868 على يد الساعاتي الشهير «باتيك فيليب» الذي ابتكر أول ساعة محمولة تشبه الإسوارة النسائية، لكن ارتداء الساعة في اليد اليسرى للرجال عرف قبل 110 سنوات، بعد أن طلب الطيار البرازيلي «البيرتو سانتوس دومانت» من صديقه الجواهرجي المشهور «لويس كارتييه» عمل ساعة عملية بدلاً من ساعة الجيب، فاخترع أول ساعة يد رجالية في العالم، وأطلق على الساعة اسم «سانتوس» عام 1904، وتم تصميمها ليتم ارتداؤها من قبل الطيارين والجنود، لكن ذلك لم يتم إلا أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914، بعد أن نزلت الأسواق عام 1911.
اقتراح أن تلبس في اليد اليسرى ليسهل حمل السلاح باليد اليمنى، كون الغالبية العظمى من الناس يستعملون اليد اليمنى في الحياة، ولكي لا يجد المحاربون أي إعاقة أثناء تواجدهم في الميدان الذي تكون الثانية فيه فاصلة بين الحياة والموت.
هكذا كانت البداية، أما كيف كانت الإدامة، فالساعات القديمة كانت يدوية، وتحتاج لتدوير في أوقات معينة من اليوم، وكنا نطلق في عاميتنا مصطلح «يعشّي الساعة» وكأنه يغذيها كل مساء؛ لذا فاليد اليمنى عند أكثرية الناس حتمت وضعها في اليسرى لكي لا تكون عائقاً أثناء إعادة تعبئة الساعة أيضاً. 
ولأن نسبة العُسر في العالم لا تتجاوز 12 في المائة، و87 في المائة هم من «أصحاب اليمين» وواحد في المائة يستعملون كلتا اليدين، جرت العادة أن ترجح كفّة الأغلبية على الأقلية، رغم أن الأقلية فيهم الأذكياء والعباقرة ومشاهير السياسة والفكر والفن والأدب، ولهم يوم 13 أغسطس من كل عام يوم يعرف بيوم العسراويين العالمي تقديراً ومساندة لهم، الغريب أن الهنود لا يستخدمون اليد اليسرى على طاولة الطعام مطلقاً، بل يضعونها في جيوبهم تأدباً؛ لذا دأب صنّاع الساعات على تقديم مرتدي ساعاتهم في اليد اليسرى لأنها أقل استعمالاً وحركة وبطشاً، فلا تخدش الساعة ولا تتعطل آلاتها ولا تكسر.