يمكن استجلاء جانب من الموقف في ما يخص الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، بالإشارة لبعض كبار المحللين الإسرائيليين وقولهم إن الخطة أعادت فجأة القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة ولن تصب في مصلحة إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو شخصياً، على عكس توقعاته. وقد رأت الصحافية «رينا متسليح» أن ترامب «أعاد وضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات الحملة الإعلانية الانتخابية الإسرائيلية، بعد أن ظن الإسرائيليون أنهم تجاوزوا هذه النقطة، وأنه لم يعد هناك شيء اسمه القضية الفلسطينية».
ويبدو أن الرئيس ترامب سلك طريقاً وعراً في التضاريس الجيوسياسية للقضية الفلسطينية، بكينونتها العربية وتعقيداتها التاريخية المتداخلة. فهل يجعل القضية الفلسطينية رهناً لمصالح انتخابية أميركية وإسرائيلية؟ وهل أراد من وراء تغييب الشريك الأساسي (الجانب الفلسطيني) فرض «الأمر الواقع»!
يمكننا القول بأن مقولة كوشنر لها مفاعيلها في هذا السيناريو، إذ يوضح: «لا يمكن أن يكون هدفنا الإبقاء على استقرار الأمور على ما هي عليه، أحياناً تتعين المجازفة الاستراتيجية بتكسير الأشياء من أجل إصلاحها».
وإزاء هذه التطورات، أكدت جامعة الدول العربية أن «خطة السلام الأميركية لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة». وفي الإطار نفسه، أكدت دولة الإمارات، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، دعمها التاريخي والمستمر للقضية الفلسطينية وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كما أكد قرار وزراء الخارجية العرب مركزية القضية الفلسطينية وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة كعاصمة لدولة فلسطين، وعلى مبادرة السلام العربية بوصفها الحد الأدنى المقبول عربياً لتحقيق السلام، والتأكيد على أن إسرائيل، كقوة احتلال، «لن تحظى بالتطبيع مع الدول العربية ما لم تقبل وتنفذ مبادرة السلام العربية». وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إن فلسطين قضية عربية تهم العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج، معلناً: «نحن نبعث برسالةٍ للعالم أجمع بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم. وأن القرار الفلسطيني الحُر، له ظهير عربي مساندٌ في كل حال، وداعم في كل حين». وأضاف: «أرى أن البديل المنطقي والآمن ما زال في أيدينا لو صحت النوايا. وأنه لا بد أن يتفاوض الطرفان بنفسيهما من أجل الوصول إلى حل يستطيع كل منهما التعايش معه والقبول به». كما أكدت منظمة التعاون الإسلامي موقفها المبدئي الداعم للفلسطينيين. أما محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فرفض مطلقاً ضم القدس لإسرائيل، وقال: «لن يُسجَّل في تاريخي أنني بعت عاصمتنا الأبدية»، وجدد في كلمته أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، أهمية مواجهة مخاطر الخطة الأميركية على القضية الفلسطينية، ومنع ترسيمها كمرجعية دولية جديدة، وقال: «ما زلنا نؤمن بالسلام، ونريد أن يتم إنشاء آلية دولية متعددة الأطراف، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية»، مشدداً على أنه لا مكان على الطاولة لهذه الصفقة بكل بنودها.
وقد حان الوقت ليرص الفلسطينيون صفوفهم وينهوا انقسامهم، حتى يتمكنوا من مواجهة تطورات المرحلة الحالية والمقبلة، ولم تعد هناك من أعذار، خاصة بعد تأكيدات الموقف العربي الجماعي في الوقوف خلف الرئيس عباس.
وفي هذا السياق، نذكر أنه لو كان السادات، رحمه الله، قد خاف من التفاوض، لفشل في الحصول على الأرض قبل أن يبدأ، فالمقدمات الحالية تساعد الفلسطينيين على الوصول إلى حقوقهم بالتفاوض، وعليهم البحث عن أبطال يبدؤون صراعاً سياسياً ودبلوماسياً لا يتوقف من أجل قضية عادلة ومستحقة للانتصار.
الفلسطينيون على قدر كبير من الوعي والخبرة، بعد هذه المعاناة التاريخية المؤلمة، لذلك لن تسلبهم هتافات المزايدين من جماعات ودول إقليمية معروفة تقتات على مواقفها الاستعراضية لإغواء الشارع العربي، بهدف إطالة أمد الحل، ليكون مقدمة لتحقيق الأهداف الفلسطينية الكبرى مستقبلاً.
وبإمكان الفلسطينيين أن يتبنوا رؤية تتسم بـ «الوجود الاستراتيجي»، وهو أن يعودوا إلى فلسطين ويتواجدوا على الأرض، كما فعل الإسرائيليون الذين تركوا بلدانهم المتطورة في أوروبا وأميركا وهاجروا إلى فلسطين بمحض إرادتهم، وبدؤوا فيها البناء وتطوير الإنسان وبناء الدولة ومؤسساتها.. وبذلك فرضوا وجودهم بحكم الحضور المادي المباشر.
*سفير سابق