مضى حوالي شهر على المظاهرات والاحتجاجات في كل من لبنان والعراق، وما تزال الاعتصامات وإغلاقات الطرق مستمرة. ولم تسفر هذه الاحتجاجات عن أي مؤشرات على حلول قريبة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلدين، رغم الخسائر المالية والاقتصادية التي يتكبدانها.
إن النظامين السياسيين في كلا البلدين، بعد إخفاقهما في إقناع المتظاهرين بجديتهما في العمل على وضع حلول اقتصادية للمشكلات المطروحة، ومع الرفض الذي قوبلت به من متظاهري الشارع محاولات النظامين، لم يعودا قادرين على الاستمرار في وظائفهما، إذ هناك الآن شبه شلل في الإدارة السياسية والاقتصادية. ولم تقدم الحكومة اللبنانية أو العراقية أي حلول عملية تدل على تخلي الساسة والزعماء الحزبيين الطائفيين عن امتيازاتهم في الطرف الآخر. محتجو المعارضة الشعبية العفوية التي لا يُعرف أحدٌ مِن هم قادتها، مصرون على الاستمرار في الاحتجاجات، بل زادوا من مطالبهم، والتي اقتصرت في البداية على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية والقضاء على البطالة وتوظيف الشباب وغيرها، لكنها اليوم أصبحت مطالب جوهرية تمس صُلب نظام السلطة في البلدين. فهم يريدون إلغاء نظام المحاصصة الطائفية الراسخ في لبنان منذ استقلاله عام 1943، أما العراق فيطالبون بإنهاء الطائفية والفساد المتحالفين في الحكم منذ عام 2003 دون أي إنجاز معيشي أو خدمي لصالح الشعب العراقي. وهناك قامت الأحزاب الطائفية باحتكار السلطة لنفسها وحلفائها وأقصت كل شرائح المجتمع العراقي الأخرى، ونهبت خيرات العراق النفطية ولم تحقق أي إنجاز سوى السماح بإقامة الشعائر الدينية طوال العام. وهكذا يطالب المحتجون العراقيون بإسقاط الحكومة وحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة.
ويبقى السؤال: هل يمكن تغيير النظامين في لبنان والعراق واستبدالهما؟
المطالبة الجماهيرية بإسقاط نظامي الحكم ليست بالأمر السهل، خصوصاً أنهما نظامان أقرب إلى الاستبداد منهما إلى الديمقراطية. لذلك يصعب التحول إلى نظام ديمقراطي حقيقي في البلدين، كما تريد الجماهير الشعبية، إذا لم تكن هناك قوانين تنظم الحقوق والواجبات وتحمي الحريات. ففي لبنان مثلاًَ توزع المناصب والامتيازات حسب الانتماء العرقي أو الفئوي والطائفي، لذلك لا يمكن للكفاءات العلمية والأكاديمية والفنية الحصول على وظيفة إلا من خلال إحدى شرائح المجتمع العليا.
أما عن الوضع في العراق منذ عام 2003 فقد أصبحت المراكز العليا في البلاد بأيدي الأحزاب الشيعية المدعومة من الخارج، حيث احتكرت هذه الأحزاب الطائفية ومليشياتها الحكم وأقصت جميع شرائح المجتمع الأخرى، وأصبحت مهمة النظام في العراق الحفاظ على امتيازات النخب الفاسدة.
السؤال: هل هناك ممر سلمي آمن للخروج من الأزمة من دون إراقة دماء، والانتقال إلى نظام مختلف كما يطالب المتظاهرون؟
المتظاهرون يرون ضرورة إجراء تعديلات على الدستور القائم والقوانين المتعلقة به، مثل كيفية انتخاب الرئيس والبرلمان والمجالس المختلفة.. وهو ما يتعذّر عملياً لأن البرلمانان الحاليان، في لبنان والعراق، لن يوافقا.
البديل الواقعي هو أن تتدخل الأمم المتحدة أو الدول العظمى لإجراء انتخابات واختيار لجنة دستورية من الشعب تضع الدستور الجديد لدولة مدنية علمانية تبعد النفوذ الديني عن الدولة، ويتم تشكيل حكومة مؤقتة بعيدة عن الحزبية والطائفية.
التجارب في بعض الجمهوريات العربية علمتنا بأن الأنظمة لا تتنازل للشعب لمصلحة البلد، لأن مصالحها فوق الجميع.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت