لا يوجد فراغ إلا وهناك من يسعى إلى ملئه دوماً، فإن لم يفعلها الأقرب إليه، جاء الأبعد مهرولاً ليقوم به. إنه قانون الطبيعة، وسُنة الحياة، ومسار التاريخ، الذي لم يخطئ مرة. والسياسة ليست استثناء، فإن فرغ مسرحها لأي سبب، جاء من يشغله على عجل.
لكن هذا الإشغال، يختلف من حالٍ إلى حال، وتتحكم فيه عوامل ومؤثرات معقدة، وتتصارع داخله نوايا وسواعد وتدابير، مشدودة إلى غريزة الإنسان الذي لا يتوقف بحثه عن القوة، والتي تجعله يمضي في هذا الاتجاه، سواء كان مدركاً لهذا أم غير مدرك.
والأمر نفسه ينطبق على الشخصيات الاعتبارية من مؤسسات ووحدات سياسية واجتماعية، تسعى إلى ملء الفراغ، إما بغرائز مجموع من يشكلونها أو يمثلونها، أو بغريزة مجازية تحل في أوصال هذه الوحدات، ومنها بالطبع «الدولة»، لاسيما إن كانت على رأسها قيادة سياسية واعية إلى أهمية سد الفراغات، لأنها تدرك أن ترك مساحات خاوية من القوة سيغري دولاً أخرى بالتدخل لملئها.
وقد رأينا هذا في سعي الدول الأوروبية لإنشاء اتحاد، حتى لا تترك فراغاً هائلاً أمام الولايات المتحدة الأميركية التي صارت القوة الكبرى أو العظمى الوحيدة في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ورأيناه في سعي دول الخليج إلى تكوين «مجلس التعاون الخليجي» لتسد فراغاً يهددها بعد الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية. ومن قبل هذا سعى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى تكوين اتحاد الإمارات العربية، بعد أن أبلغه البريطانيون بقرار انسحابهم من المنطقة، وهي مسألة كانت سابقة على المثل الأكبر الذي يُضرب على «الفراغ السياسي» والمرتبط بما يسمى بـ «مبدأ إيزنهاور».
وفي الحقيقة لا يخلو حديث، أو تناول للفراغ السياسي، من الإتيان على ما أقره الرئيس الأميركي «دوايت إيزنهاور» في رسالته الخاصة إلى الكونجرس في الخامس من يناير 1957 يشرح فيها الأوضاع في منطقة «الشرق الأوسط» بعد أن وضعت حرب السويس 1956 أوزارها بضغط من الولايات المتحدة على الدول الثلاث التي اعتدت على مصر، إثر تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس، وهي إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، ثم إعلان البريطانيين انسحابهم من شرق خليج السويس، ما أدى، من وجهة نظر الأميركيين، إلى فراغ سياسي وأمني، خشيت معه واشنطن من امتداد النفوذ السوفييتي إلى شبه الجزيرة العربية ليملأ هذا الفراغ، سواء بنشر الشيوعية أو الوجود العسكري، بطريقة أو أخرى.
ويقوم هذا المبدأ على أنه بوسع أي دولة أن تطلب عوناً عسكرياً أو اقتصادياً أميركياً، حال تعرضها للتهديد من دولة أخرى. ولذا تضمن خطاب إيزنهاور أمام الكونجرس توجيهاً للقوات الأميركية بأن تقوم بتأمين وحماية التراب الوطني والاستقلال السياسي لدول الشرق الأوسط، لقطع الطريق على السوفييت، بقدراتهم العسكرية والأيديولوجية التي كانت في أوج قوتها في تلك الآونة، وهي القوة التي قدرت واشنطن أنها تطمح إلى ملء الفراغ الناجم عن انحسار النفوذ البريطاني والفرنسي.
في الحقيقة لم تكن إدارة إيزنهاور ترمي من إطلاق هذا المبدأ سوى حصار مشروع عبد الناصر، الذي كان مدعوماً من موسكو، بعد اتجاهه إلى الكتلة الشرقية بإبرام صفقة الأسلحة التشيكية في 1955، وتبنيه مبدأ «عدم الانحياز» مع الزعيمين الهندي جواهر لال نهرو، واليوغسلافي جوزيف تيتو، والذي وصفه بأنه «حياد إيجابي» حيال القوتين المتصارعتين على العالم وقتها.
وقد تمكن عبد الناصر من تطويق هذا المبدأ بمد النفوذ إلى بلدان عربية عدة، وهو يدرك أن ما أقدم عليه إيزنهاور ليس سوى «مشروع استعماري»، وعُقدت قمة عربية وقتها انتهت إلى عدم معارضة هذه السياسة الأميركية رسمياً، ومن الناحية النظرية، لكن يتم التحرك في الواقع بما يحول دون تطبيقها. لكن الولايات المتحدة طبقت المبدأ بالفعل في الأزمة اللبنانية، وقدمت تعهدات لاحقة لإيران وتركيا وباكستان بالمساعدة.
في النهاية، أعتقد أن العرب في حاجة ماسة اليوم إلى التنسيق في سبيل معالجة تأثير الفراغ السياسي الذي نجم عن وقوع اضطرابات عميقة في بعض الدول، وكذلك الأطماع الإقليمية التي باتت واضحة في أرض العرب ومواردهم الطبيعية.
لكن هذا الإشغال، يختلف من حالٍ إلى حال، وتتحكم فيه عوامل ومؤثرات معقدة، وتتصارع داخله نوايا وسواعد وتدابير، مشدودة إلى غريزة الإنسان الذي لا يتوقف بحثه عن القوة، والتي تجعله يمضي في هذا الاتجاه، سواء كان مدركاً لهذا أم غير مدرك.
والأمر نفسه ينطبق على الشخصيات الاعتبارية من مؤسسات ووحدات سياسية واجتماعية، تسعى إلى ملء الفراغ، إما بغرائز مجموع من يشكلونها أو يمثلونها، أو بغريزة مجازية تحل في أوصال هذه الوحدات، ومنها بالطبع «الدولة»، لاسيما إن كانت على رأسها قيادة سياسية واعية إلى أهمية سد الفراغات، لأنها تدرك أن ترك مساحات خاوية من القوة سيغري دولاً أخرى بالتدخل لملئها.
وقد رأينا هذا في سعي الدول الأوروبية لإنشاء اتحاد، حتى لا تترك فراغاً هائلاً أمام الولايات المتحدة الأميركية التي صارت القوة الكبرى أو العظمى الوحيدة في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. ورأيناه في سعي دول الخليج إلى تكوين «مجلس التعاون الخليجي» لتسد فراغاً يهددها بعد الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية. ومن قبل هذا سعى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى تكوين اتحاد الإمارات العربية، بعد أن أبلغه البريطانيون بقرار انسحابهم من المنطقة، وهي مسألة كانت سابقة على المثل الأكبر الذي يُضرب على «الفراغ السياسي» والمرتبط بما يسمى بـ «مبدأ إيزنهاور».
وفي الحقيقة لا يخلو حديث، أو تناول للفراغ السياسي، من الإتيان على ما أقره الرئيس الأميركي «دوايت إيزنهاور» في رسالته الخاصة إلى الكونجرس في الخامس من يناير 1957 يشرح فيها الأوضاع في منطقة «الشرق الأوسط» بعد أن وضعت حرب السويس 1956 أوزارها بضغط من الولايات المتحدة على الدول الثلاث التي اعتدت على مصر، إثر تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس، وهي إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، ثم إعلان البريطانيين انسحابهم من شرق خليج السويس، ما أدى، من وجهة نظر الأميركيين، إلى فراغ سياسي وأمني، خشيت معه واشنطن من امتداد النفوذ السوفييتي إلى شبه الجزيرة العربية ليملأ هذا الفراغ، سواء بنشر الشيوعية أو الوجود العسكري، بطريقة أو أخرى.
ويقوم هذا المبدأ على أنه بوسع أي دولة أن تطلب عوناً عسكرياً أو اقتصادياً أميركياً، حال تعرضها للتهديد من دولة أخرى. ولذا تضمن خطاب إيزنهاور أمام الكونجرس توجيهاً للقوات الأميركية بأن تقوم بتأمين وحماية التراب الوطني والاستقلال السياسي لدول الشرق الأوسط، لقطع الطريق على السوفييت، بقدراتهم العسكرية والأيديولوجية التي كانت في أوج قوتها في تلك الآونة، وهي القوة التي قدرت واشنطن أنها تطمح إلى ملء الفراغ الناجم عن انحسار النفوذ البريطاني والفرنسي.
في الحقيقة لم تكن إدارة إيزنهاور ترمي من إطلاق هذا المبدأ سوى حصار مشروع عبد الناصر، الذي كان مدعوماً من موسكو، بعد اتجاهه إلى الكتلة الشرقية بإبرام صفقة الأسلحة التشيكية في 1955، وتبنيه مبدأ «عدم الانحياز» مع الزعيمين الهندي جواهر لال نهرو، واليوغسلافي جوزيف تيتو، والذي وصفه بأنه «حياد إيجابي» حيال القوتين المتصارعتين على العالم وقتها.
وقد تمكن عبد الناصر من تطويق هذا المبدأ بمد النفوذ إلى بلدان عربية عدة، وهو يدرك أن ما أقدم عليه إيزنهاور ليس سوى «مشروع استعماري»، وعُقدت قمة عربية وقتها انتهت إلى عدم معارضة هذه السياسة الأميركية رسمياً، ومن الناحية النظرية، لكن يتم التحرك في الواقع بما يحول دون تطبيقها. لكن الولايات المتحدة طبقت المبدأ بالفعل في الأزمة اللبنانية، وقدمت تعهدات لاحقة لإيران وتركيا وباكستان بالمساعدة.
في النهاية، أعتقد أن العرب في حاجة ماسة اليوم إلى التنسيق في سبيل معالجة تأثير الفراغ السياسي الذي نجم عن وقوع اضطرابات عميقة في بعض الدول، وكذلك الأطماع الإقليمية التي باتت واضحة في أرض العرب ومواردهم الطبيعية.