على مقربة من عيد الأضحى المبارك، يفر المرء من الحروب والصراعات، إلى رحابة أبو الأنبياء إبراهيم، أبو الموحدين من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن مشرقها إلى مغربها، آملين أن نجد لديه طرفا مما يجمع ولا يفرق، ومما يشرح ولا يجرح، لا سيما في أوقات الصراع الآنية.
أفضل السطور التي كتبت عن أبناء إبراهيم هي تلك التي سطرها فيلسوف الأديان الأميركي المعاصر «كيلي جيمس كلارك»، في كتابه الذي يحمل عنوان «أبناء إبراهيم»، والذي صدرت ترجمته العربية الأيام القليلة الماضية، ومن ترجمة الأستاذ إسلام سعد.
مثير أن يخرج من الولايات المتحدة الأميركية صوت يدعو للتسامح والتصالح، فقد علت أصوات صراع الحضارات لهنتنجتون، ومن بعدها روّج فوكاياما لنهاية التاريخ، وكلها رؤى شمولية لا تخدم الحوار أو تقيم ضرباً من ضروب الجوار.
ما الذي يذهب إليه البروفيسور الفيلسوف «جيمس كلارك» في سطور عمله الرائع هذا؟
يؤكد الرجل أنه على الرغم من تباين التقاليد الإبراهيمية، إلا أنها تتشارك بعض الاعتقادات الأساسية التي هي تأسيسية للتسامح واحترام الاعتقادات الأخرى والناس الآخرين. هذه الاعتقادات لا يمكن فقط، بل يجب أن تحفز التسامح والاحترام تجاه المؤمنين أصحاب الاعتقادات الأخرى، وتدعم أنماط التفاهم المشتركة للعائلة البشرية الواحدة، بجانب الحب، والتسامح الديني. هل علينا في الشرق الأوسط بنوع خاص والعالم العربي بنوع عام إعادة قراءة سطور حياة الشركة والتعايش من جديد؟
الشاهد أنه في عام التسامح الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة يبقى فرض عين إيجاد أرضية مشتركة بين أبناء إبراهيم، سيما وإننا طويلا جدا مالت كفتنا للتركيز على الاختلافات بين اعتقاداتنا واعتقادات الأديان الأخرى، وهي في واقع الحال اختلافات غير قابلة للمنازعة، وأساسية، وفي بعض الأوقات غير قابلة للتوفيق مع بعضها البعض. غالبا ما يقودنا هذا للتفكير في المؤمنين الآخرين باعتبارهم معدومي الإيمان، وعصاة، وربما حتى غير مكتملين إنسانياً. وبما أنه قد تم تشويه سمعتهم والتقليل من احترامهم، يصبح تجاهلهم واضطهادهم، بل وحتى قتلهم أسهل من ذي قبل.
هل يمكن لأبناء إبراهيم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا النسق غير الخلاق إنسانيا وغير النافع أو المفيد اجتماعيا وحياتيا؟
يوصي «كلارك» بأنه يتوجب على الأديان الإبراهيمية في أقصى لحظات قوتها أن تخلق التواضع والرحمة عوضاً عن التكبر والكراهية البينة في حالة مموني التعصب، أي الذين يقومون بتأجيج مشاعر البغض في القلوب، كما البنزين في السيارات.
على مقربة من عيد الأضحى نسترجع سويا مسيرة الخليل إبراهيم أبو الأنبياء ذاك الذي اعتقد اعتقادا جازما بأن إلهاً رحيما يتحكم في مقادير الحياة، وأن الاستسلام لمشيئة الله هو الطريق للاستقامة الإنسانية.
ما هي الاعتقادات الأخرى التي يتشارك فيها أبناء إبراهيم والتي يمكنها أن تمنع التعصب وتقطع الطريق على الأحفاد؟
أغلب الظن أن أهم شيئ الاعتقاد بأن كل البشر قد خلقوا على كرامة واحدة، وأن الله تعالى استخلفهم جميعا في الأرض، هذا الفهم الإنساني الذي تتشاركه اليهودية والمسيحية والإسلام على السواء، يساند بشكل معنوي تصوراً للإنسان بوصفه حاملاً لقيمة جوهرية لا تقاس.
يدعم هذا الفهم المتين لقيمة الإنسان إحساساً سليماً بالاحترام تجاه الأشخاص الآخرين، حتى عندما يختلفون معك فيما يتعلق بأمور ذات أهمية أساسية. تؤطر هذه القيمة المغروسة بشكل مقدس الاحترام تجاه الأشخاص، وهو الاحترام المطلوب لتحقيق التسامح.
على أبواب الأضحى يتوجب على أبناء إبراهيم الخليل عليه السلام أن يتنبهوا بشدة لحالة المد الأصولي والقومي اللتان تنتشران حول العالم كما النار في الهشيم، وحيث تلوح نذر التعصب الديني في عالمنا اليوم بوصفها تهديدا، لكن فرصة ما تكمن في ثنايا هذا التهديد. يمكن للمؤمنين، بل ويلزم عليهم في مواجهة اتهام الملحدين الجدد بأن الأديان تعزز التعصب والكراهية تجاه اعتقادات الآخر، أن يدافعوا عن الإسهامات التي قامت بها تقاليدهم الدينية تجاه التسامح وأن يداوموا العمل على بناء مناخ أكثر تسامحاً واحتراماً لكل الناس، من كل الاعتقادات، ومرارا وتكرارا يمكننا أن نجد مؤمنين يستجيبون لهذا النداء.
يعطينا كيلي جيمس كلارك مثالا لما يمكن أن يحدثه أصحاب النوايا الطيبة وحاول توافرت الإرادات السليمة، بما جرى خلال شهور من الجدل واستثارة الانتباه التي أحاطت بفكرة بناء مركز مجتمعي في منطقة «جراوند زيرو»، فقد لاقت الفكرة رفض الكثير من المتعصبين والمتزمتين الذين اعتبروا الإسلام والمسلمين مسؤولين بشكل كامل عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعليه فلا يتوجب بناء مثل هذا المسجد.
غير أن العديد من المؤمنين والمنظمات الدينية المسيحية أعلنوا عن دعمهم بشكل علني لبناء المسجد، وأفضل رجل ساند الفكرة كان عمدة نيويورك «مايكل بلومبيرج»، الذي لم تمنعه ديانته اليهودية من أن يكون صاحب صوت ينادي بالوفاق والتعايش الواحد.
الخلاصة: لا طريق لأبناء إبراهيم سوى الحوار والجوار والسير على الدرب معاً.
*كاتب مصري
أفضل السطور التي كتبت عن أبناء إبراهيم هي تلك التي سطرها فيلسوف الأديان الأميركي المعاصر «كيلي جيمس كلارك»، في كتابه الذي يحمل عنوان «أبناء إبراهيم»، والذي صدرت ترجمته العربية الأيام القليلة الماضية، ومن ترجمة الأستاذ إسلام سعد.
مثير أن يخرج من الولايات المتحدة الأميركية صوت يدعو للتسامح والتصالح، فقد علت أصوات صراع الحضارات لهنتنجتون، ومن بعدها روّج فوكاياما لنهاية التاريخ، وكلها رؤى شمولية لا تخدم الحوار أو تقيم ضرباً من ضروب الجوار.
ما الذي يذهب إليه البروفيسور الفيلسوف «جيمس كلارك» في سطور عمله الرائع هذا؟
يؤكد الرجل أنه على الرغم من تباين التقاليد الإبراهيمية، إلا أنها تتشارك بعض الاعتقادات الأساسية التي هي تأسيسية للتسامح واحترام الاعتقادات الأخرى والناس الآخرين. هذه الاعتقادات لا يمكن فقط، بل يجب أن تحفز التسامح والاحترام تجاه المؤمنين أصحاب الاعتقادات الأخرى، وتدعم أنماط التفاهم المشتركة للعائلة البشرية الواحدة، بجانب الحب، والتسامح الديني. هل علينا في الشرق الأوسط بنوع خاص والعالم العربي بنوع عام إعادة قراءة سطور حياة الشركة والتعايش من جديد؟
الشاهد أنه في عام التسامح الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة يبقى فرض عين إيجاد أرضية مشتركة بين أبناء إبراهيم، سيما وإننا طويلا جدا مالت كفتنا للتركيز على الاختلافات بين اعتقاداتنا واعتقادات الأديان الأخرى، وهي في واقع الحال اختلافات غير قابلة للمنازعة، وأساسية، وفي بعض الأوقات غير قابلة للتوفيق مع بعضها البعض. غالبا ما يقودنا هذا للتفكير في المؤمنين الآخرين باعتبارهم معدومي الإيمان، وعصاة، وربما حتى غير مكتملين إنسانياً. وبما أنه قد تم تشويه سمعتهم والتقليل من احترامهم، يصبح تجاهلهم واضطهادهم، بل وحتى قتلهم أسهل من ذي قبل.
هل يمكن لأبناء إبراهيم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا النسق غير الخلاق إنسانيا وغير النافع أو المفيد اجتماعيا وحياتيا؟
يوصي «كلارك» بأنه يتوجب على الأديان الإبراهيمية في أقصى لحظات قوتها أن تخلق التواضع والرحمة عوضاً عن التكبر والكراهية البينة في حالة مموني التعصب، أي الذين يقومون بتأجيج مشاعر البغض في القلوب، كما البنزين في السيارات.
على مقربة من عيد الأضحى نسترجع سويا مسيرة الخليل إبراهيم أبو الأنبياء ذاك الذي اعتقد اعتقادا جازما بأن إلهاً رحيما يتحكم في مقادير الحياة، وأن الاستسلام لمشيئة الله هو الطريق للاستقامة الإنسانية.
ما هي الاعتقادات الأخرى التي يتشارك فيها أبناء إبراهيم والتي يمكنها أن تمنع التعصب وتقطع الطريق على الأحفاد؟
أغلب الظن أن أهم شيئ الاعتقاد بأن كل البشر قد خلقوا على كرامة واحدة، وأن الله تعالى استخلفهم جميعا في الأرض، هذا الفهم الإنساني الذي تتشاركه اليهودية والمسيحية والإسلام على السواء، يساند بشكل معنوي تصوراً للإنسان بوصفه حاملاً لقيمة جوهرية لا تقاس.
يدعم هذا الفهم المتين لقيمة الإنسان إحساساً سليماً بالاحترام تجاه الأشخاص الآخرين، حتى عندما يختلفون معك فيما يتعلق بأمور ذات أهمية أساسية. تؤطر هذه القيمة المغروسة بشكل مقدس الاحترام تجاه الأشخاص، وهو الاحترام المطلوب لتحقيق التسامح.
على أبواب الأضحى يتوجب على أبناء إبراهيم الخليل عليه السلام أن يتنبهوا بشدة لحالة المد الأصولي والقومي اللتان تنتشران حول العالم كما النار في الهشيم، وحيث تلوح نذر التعصب الديني في عالمنا اليوم بوصفها تهديدا، لكن فرصة ما تكمن في ثنايا هذا التهديد. يمكن للمؤمنين، بل ويلزم عليهم في مواجهة اتهام الملحدين الجدد بأن الأديان تعزز التعصب والكراهية تجاه اعتقادات الآخر، أن يدافعوا عن الإسهامات التي قامت بها تقاليدهم الدينية تجاه التسامح وأن يداوموا العمل على بناء مناخ أكثر تسامحاً واحتراماً لكل الناس، من كل الاعتقادات، ومرارا وتكرارا يمكننا أن نجد مؤمنين يستجيبون لهذا النداء.
يعطينا كيلي جيمس كلارك مثالا لما يمكن أن يحدثه أصحاب النوايا الطيبة وحاول توافرت الإرادات السليمة، بما جرى خلال شهور من الجدل واستثارة الانتباه التي أحاطت بفكرة بناء مركز مجتمعي في منطقة «جراوند زيرو»، فقد لاقت الفكرة رفض الكثير من المتعصبين والمتزمتين الذين اعتبروا الإسلام والمسلمين مسؤولين بشكل كامل عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعليه فلا يتوجب بناء مثل هذا المسجد.
غير أن العديد من المؤمنين والمنظمات الدينية المسيحية أعلنوا عن دعمهم بشكل علني لبناء المسجد، وأفضل رجل ساند الفكرة كان عمدة نيويورك «مايكل بلومبيرج»، الذي لم تمنعه ديانته اليهودية من أن يكون صاحب صوت ينادي بالوفاق والتعايش الواحد.
الخلاصة: لا طريق لأبناء إبراهيم سوى الحوار والجوار والسير على الدرب معاً.
*كاتب مصري