شددت الدول الغربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على تقديم ديمقراطيتها كأنموذج يحتذى به للحد من التطرف والإرهاب في المنطقة، لكن هذا الأنموذج فشل في العراق وبلاد الثورات التي أطلق عليها بلاد «الربيع العربي». فقد أكدت الدراسات أن البلدان ذات الكثافة السكانية المسلمة ازداد فيها الإرهاب بعد 2001، وعانت بلدان المنطقة من الإرهاب المحلي والدولي. وبالتالي الأنموذج الديمقراطي الغربي لم يحقق هدفه من الاستقرار ومكافحة التطرف والإرهاب.
من الملفت للنظر أن الديمقراطية الغربية دائماً هي التي تقدم كأنموذج، لكن عندما نجد أنموذجاً ناجحاً في الدول العربية يتم طمسه. فمن المستغرب أن الإمارات العربية المتحدة بالرغم من نجاح نظامها الفيدرالي/الاتحادي إلى أنه لم يتم تقديمه كأنموذج يُطرح للدراسة في المراكز البحثية والجامعات الأجنبية. ففي الوقت الذي تقدم فيه دول العالم أنظمتها كأنموذج للمنطقة، لم نشاهد دراسة عن نظام الإمارات الفيدرالي/الاتحادي الناجح، وتلك مسؤولية الجامعات والمراكز البحثية، التي يتعين عليها تقديم دراسات تطرح في المحافل الدولية. مثل هذا الغياب فتح المجال أمام الكثيرين أن يفرضوا على المنطقة نماذجهم، التي فشلت عند تطبيقها كونها بعيدة كل البعد عن واقع المنطقة.
من أهم أسباب نجاح النظام الفيدرالي/الاتحادي في الإمارات أنه لم يفرض بالقوة، ففي عام 1968، لخص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، خطته لتحقيق الاتحاد، والتي تمت عام 1971. فقد رأى أنه لابد من وضع هدف محدد يكون لكل إمارة دور في تحقيقه من أجل بقاء الاتحاد، وبالرغم من أن أبوظبي هي الإمارة ذات المساهمة الرئيسة في الاتحاد وهي مقر للحكومة الاتحادية، إلا أن كل إمارة مستقلة في شؤونها الداخلية مع وجود وزارتين مركزيتين، واحدة للدفاع والأخرى للشؤون الخارجية. وهذه الاستقلالية في الشؤون الداخلية دفعت إمارة رأس الخيمة لتنضم للاتحاد في 10 فبراير 1972، لأنها أدركت أن استمرارها كإمارة مستقلة سيضعفها سياسياً واقتصادياً.
لقد أدرك الشيخ زايد أن نجاح الاتحاد لا يكمن في التحالفات المصطنعة بل يتحقق عبر إنشاء مؤسسات اجتماعية وسياسية تعمل بتناغم وتكامل تام. فأولى تلك الخطوات قام مجلس الوزراء في 8 يوليو 1971 بإنشاء صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي، وهذا يعني أن الإمارات الأخرى ستستفيد من ذلك الاتحاد من خلال مساهمة أبوظبي.
لقد أدت الفيدرالية السياسية في دولة الإمارات إلى ترسيخ الكثير من المفاهيم الإيجابية مثل الانفتاح، السلام، التنوع، التعايش والتسامح الديني والثقافي بين سكانها. وقد أسس أيضاً الاتحاد الإماراتي هوية جمعية واعية ترسخ المواطنة الجديدة وتعليها عن الهويات الفرعية مع المحافظة عليها. وأدى التنوع إلى التكامل الاقتصادي والزراعي والثقافي وغيره، فمثلاً برعت دبي في التجارة بينما برعت الشارقة في الثقافة والتراث وهكذا. وكون هناك استقلالية على مستوى الحكم المحلي دفع كل إمارة أن تبرز في مجالها وهذا صب في مصلحة الدولة الاتحادية.
وقد عمل حكام الإمارات على تعزيز البنى الاتحادية فيما بينهم، فتم دمج القوات المسلحة لتشكيل جيش اتحادي واحد، واعتماد علم واحد للدولة، وعُملة واحدة في سبيل تعزيز مفهوم الدولة والمواطنة الواحدة المتساوية. وقد أدى ذلك لتوحيد الجهود السياسية في مواجهة التهديدات الخارجية وخاصة إيران التي كانت ضد فكرة الاتحاد منذ البداية وتعزز خطرها بعد احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث. وقد أدى أيضاً ذلك الاتحاد الأمني إلى بناء سياسة خارجية واحدة تحفظ للدولة كينونتها وتدافع عن مصالح أعضائها.
كل ذلك لم يكن ممكناً تحقيقه لولا العبقرية السياسية للشيخ زايد وفهمه للأيديولوجيات القبلية العربية التي جعلته يكسب ثقة شعبه من خلال إنجازات ملموسة. المسيرة الناجحة للشيخ زايد في تأسيس الدولة الاتحادية امتدت على أربع مراحل، أولها فترة التدريب واكتساب الخبرة التي امتدت من العشرينيات إلى عام 1966، الفترة الثانية هي فترة الإنجازات امتدت خلال 1966-1971، المرحلة الثالثة خلال 1971-1981 هي مرحلة بناء الدولة الاتحادية، أما المرحلة الرابعة والأخيرة التي بدأت عام 1981 إلى الآن وهي مرحلة التنمية المتواصلة. أهمية تقديم الأنموذج الفيدرالي/الاتحادي لدى دولة الإمارات للجهات الدولية ليس لفرض أنموذجها على دول المنطقة، لكن للأخذ في عين الاعتبار دولياً أن هناك نماذج ناجحة توائم بيئة المنطقة غير الأنموذج الغربي.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي