تُذكر رئاسة جورج دبليو بوش بسبب تعامله مع ثلاثة أحداث رئيسة غيّرت أميركا والعالَم. فقد جعلت هجمات 11 سبتمبر 2001 بوش رئيساً في زمن الحرب، خلال عامه الأول في المنصب. ويُعتبر قراره بشن الحرب على العراق في عام 2003 على نطاق واسع أسوأ خطأ في السياسة الخارجية الأميركية منذ حرب فيتنام. كما أن الأزمة المالية لعام 2008-2009، والتي كادت أن تؤدي إلى انهيار النظام المصرفي العالمي، كانت عاملاً رئيساً في الانتخابات الرئاسية لعام 2008، والتي هزم فيها باراك أوباما منافسَه «الجمهوري» السيناتور جون ماكين.
ومع ذلك، فثمةَ قضيةٌ في السياسة الخارجية يمكن أن يُنسب الفضل فيها لبوش باعتبارها نجاحاً ساحقاً؛ ألا وهي سياسته تجاه أفريقيا. فقد زاد المساعدات الأميركية لأفريقيا بأكثر من 600% عند مغادرته منصبه، وساهم في التوصل إلى اتفاق السلام بين السودان وجنوب السودان عام 2005، كما كانت حملته لاستخدام الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في مكافحة المشكلات الصحية في القارة، وخاصة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا، حملة غير مسبوقة. كان ذلك مثالاً على فعالية «القوة الناعمة» كوسيلة لكسب النفوذ والاحترام حول العالم.
ومع ذلك، فإن قرار إدارة ترامب بإلغاء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وتسريح جميع موظفيها، سواء الأميركيين أو المحليين، وتطهير الحكومة الأميركية من المؤسسات التي «تؤوي الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام»، قد تسبب في فوضى للعديد من المجتمعات في أفقر بلدان العالم، حتى مع استمرار الطعون القانونية ضد هذه الإجراءات في المحاكم الأميركية.

ووفقاً لمصادر موثوقة، فإن تعليق البرامج المنقذة للحياة قد أدى إلى معاناة ومزيد من الوفيات. وكما هو متوقع، أعلنت روسيا والصين، اللتان لديهما طموحات خاصة بهما في أفريقيا، عن زيادة المساعدات للدول الأفريقية، على الرغم من أن طبيعة هذه المساعدات، سواء أكانت منحاً أم قروضاً، لا تزال غير واضحة، غير أن ما هو واضح الآن أن الإعجاب بالبرامج الإنسانية الأميركية سيتلاشى على الأرجح، مما ستكون له تداعيات خطيرة على النفوذ الأميركي في أسرع قارات العالم نمواً سكانياً.
 ويتجلى تآكل القوة الناعمة الأميركية بشكل متزايد في التخفيضات القاسية التي طالت تمويل المؤسسات الأميركية الشهيرة التي كانت موضع حسد العالم. وقد جادل ترامب، ومساعده إيلون ماسك بأن هذه التخفيضات ضرورية للقضاء على الهدر وسوء الاستخدام والنشاط السياسي اليساري. وتستهدف التخفيضات المقترحة جميع الوكالات الحكومية، بما في ذلك المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، والتي تشمل خدمات الأرصاد الجوية الوطنية، ووكالة ناسا (NASA).

وقد أدى فقدان التمويل والكوادر الرئيسية من هذه المؤسسات إلى قيام الأوروبيين بتقديم فرص بحث وتدريس للمتخصصين الأميركيين الذين أصبحوا فائضين عن الحاجة. لعقود من الزمن، كان الأجانب يسعون للحصول على وظائف مرموقة في الولايات المتحدة. أما الآن، فقد يكون الاتجاه في طريقه إلى الانعكاس.
 وإضافةً إلى «هجرة العقول» من الولايات المتحدة، تتزايد صعوبة الحصول على تأشيرات السفر والعمل في أميركا. وقد أدى تعهد ترامب بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين إلى إجراءات هجرة أكثر صرامة لأولئك الذين ما يزالون يرغبون في القدوم إلى أميركا. كما أن تصريحاته الحادة تجاه كل من كندا والمكسيك وأوروبا، وسعيه لفرض تعريفات جمركية أعلى، قد تسببت في ردود فعل قوية بين الزوار الذين اعتادوا القدوم إلى الولايات المتحدة للاستمتاع بالطقس الدافئ في فلوريدا خلال الشتاء أو لاستكشاف روعة الحدائق الوطنية المذهلة، التي يُطلَق عليها اسم «أفضل فكرة أميركية». وعلاوة على ذلك، فإن التخفيضات التي أجراها ترامب في ميزانية خدمة المتنزهات الوطنية من المرجح أن تجعل السفر إلى هذه المتنزهات أكثر صعوبة لكل من السياح المحليين والأجانب على حد سواء.
منذ عشرينيات القرن الماضي، كانت «القوة الناعمة» الأميركية عنصراً رئيساً في تعزيز النفوذ العالمي للولايات المتحدة. وقد أصبحت أفلام هوليوود وصناعة الموسيقى رموزاً ثقافية قبل صعود القوة العسكرية الأميركية بوقت طويل. ولا تزال الولايات المتحدة أقوى قوة في العالم، لكن لا يوجد ضمان بأن هذا سيستمر لفترة أطول.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست».