البداية في «اقرأ» لذا كان في البدء «كلمة»، فإن العرب تطلق على الخِطبَة العصماء مهما يكن طولها كلمة، فهي قد تكون ألف كلمة ولكنها تسمى كلمة إلى هذا اليوم.
القراءة هي فعل مكتسب موروث من المحيط لذلك لابد من الانطلاق من الأسرة، يقول الكاتب الروماني شيشرون «بيت بلا كتب جسد بلا روح»، لذلك يجب على الأبوين وضع مكتبة في المنزل، فهي تسهم مساهمة فاعلة في جذب الأبناء نحو الكتاب.
فإحصاءات القراءة في الوطن العربي مقلقة. ووفقاً لتقرير اليونيسكو فإنّ أعلى نسبة أمية في العالم تتواجد في الوطن العربي، والقراءة هي من آخر الاهتمامات فهناك 60 مليون أمّي عربي و9 ملايين طفل خارج المدرسة، ويشير التقرير إلى أنّ الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنوياً، بينما الطفل الأميركي يقرأ 6 دقائق يومياً.
نشرت الأمم المتحدة في تقرير لها حول عادات القراءة في العالم، فكانت النتائج غير مرضية فيما يتعلق بالبلدان العربية، فمعدل ما يقرؤه الفرد في أرجاء العالم العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط.
وأظهر تقرير أصدرته «مؤسسة الفكر العربي» أنّ متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق.
وحسب إحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألسكو» فإنّ العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مئة (100) كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية، علماً بأنّ هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتاباً لكل خمسة آلاف (5000) شخص.
المكتبات لا ينبغي أن تكون رفوفاً جامدة، بل محراب عبادة لا يقل أهمية عن محاريب المساجد، لأنها تؤدي رسالة واحدة من العلم إلى الإيمان بأن كلمة «اقرأ» التي نزلت على النبي «محمد صلى الله عليه وسلم»، هي التي أضاءت ظلمات القرون الماضية، فهي القادرة على تحديد بوصلة مستقبلنا أمام جميع الأمم.
أظهرت تقارير صادرة عن منظمات وجهات ثقافية دولية وإقليمية ومحلية، انخفاضاً مستمراً في الإقبال على القراءة لدى الإنسان العربي، خلال السنوات الماضية. وقال تقرير لـ«اليونيسكو» إن كل 80 شخصاً في الوطن العربي يقرأون كتاباً واحداً في السنة، فيما يقرأ الأوروبي نحو 35 كتاباً خلال الفترة نفسها.
وعلى الرغم من تفاوت الأرقام بين دراسة وأخرى بالنسبة إلى معدّل القراءة في العالم العربي، فهي تتفق على ضآلة منسوب القراءة في هذا الجزء من العالم.
ويتزامن ذلك مع ضآلة في الإنتاج، إذ يقدر «تقرير التنمية الثقافية» عدد كتب الثقافة العامة التي تُنشر سنوياً في الوطن العربي بما لا تتجاوز 5000 عنوان سنوياً، فيما يصدر في أميركا، على سبيل المثال، نحو 300 ألف عنوان.
من القارئ الحقيقي؟! يقول أنيس منصور: القارئ ليس هو الذي يفك الصفحات الملتصقة ثم يفك الخط. وليس هو الذي يقول أنا قرأت ألف كتاب. ولكن القارئ هو الذي يجد متعة في القراءة، وهو الذي لا يستطيع أن يتوقف عن القراءة. والذي يذكر الكثير مما قرأ. هو الذي يفهم. وليس الذي يقرأ بلا فهم.
ويقول بعض الحكماء: «من يتأمل الأوراق يجد بين السطور غايته. ومن يقرأ بلا فهم ولا شوق فلا أمل في نجاته..»
سئل العقاد لماذا تهوى القراءة؟ فقال: أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.
لا تستغني خبرة الحياة عن حياة القراءة هذا ما أكد عليه أبو حامد الغزالي صاحب «إحياء علوم الدين» ومجدد القرن السادس الهجري يقول في حكمة له «ومهما يكن الرجل مجربًا للزمان فإنه ما لم ينظر في الكتب لا يكون كامل العقل».
*كاتب إماراتي