تعد المشروعات البيئية عنصراً جوهرياً في حماية البيئة والصحة العامة، كما تمثّل ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. ولضمان استدامة هذه المشروعات البيئية ونجاحها يجب أن تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة الـ17 وغاياتها الـ169؛ ما يضمن تكاملها وتفادي أي تعارض محتمل فيما بينها. ويتطلب ذلك تخطيطاً استراتيجياً وإدارة فعالة لتحقيق الأثر المرجو وتعزيز التنمية المستدامة.
ويحتاج التنفيذ الفعّال للمشروعات البيئية قيادة مؤهلة تتمتع بخبرة علمية متخصصة وكفاءة إدارية عالية؛ كما تستلزم هذه المشروعات معرفة معمقة وخبرة متخصصة بالترابط بين مكونات البيئة، مثل التربة والهواء والمياه، بصفتها أساساً لنجاحها، إلى جانب تبني استراتيجيات وقائية فعالة تضمن الحد من التلوث البيئي والتزام معايير الاستدامة؛ وهو ما ينعكس إيجاباً على الصحة العامة، ويحمي المجتمعات من التلوث البيئي. كما يؤدي غياب التكامل بين أهداف المشروعات البيئية، وعدم تنسيقها مع التخطيط الحضري إلى تعارض مع أهداف التنمية المستدامة؛ وهو ما يقلل من فاعليتها، ويؤثر سلباً في الاستدامة البيئية وصحة الإنسان.
وعلى سبيل المثال قد تسهم عمليات جمع النفايات بانتظام في تحسين البيئة المحلية لمنطقة محددة، إلا أن التخلص منها في مطامر تقليدية بالقرب من مناطق سكنية أخرى قد يؤدي إلى أضرار بيئية وصحية؛ ما يسلط الضوء على أهمية تبني حلول مستدامة لإدارة النفايات. وبالمثل تُعد إدارة أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي ضرورة أساسية للحفاظ على الصحة العامة وضمان استدامة الموارد المائية. ومع ذلك، فإن إعادة استخدام المياه المعالجة في الري من دون إخضاعها لمعايير معالجة دقيقة قد تؤدي إلى تلوث التربة ومصادر المياه العذبة والمياه الجوفية والمياه السطحية، إضافة إلى احتمالية تسربها إلى البيئة البحرية؛ وهو ما يمثّل مخاطر بيئية وصحية جسيمة تتطلب حلولًا مستدامة وإجراءات رقابية صارمة.
وتسلط هذه التحديات الضوء على أهمية تبني نهج متكامل يضمن توافق المشروعات البيئية مع أهداف التنمية المستدامة الـ17 وغاياتها الـ169؛ وهو ما يعزز تكامل جهود الاستدامة في جميع مراحل المشروع؛ فمنذ المراحل الأولية للمناقصات ينبغي إدراج معايير الاستدامة في تصميم المشروعات، واختيار المقاولين، وتخصيص الموارد. كما أن التزام هذه الأهداف، في أثناء التنفيذ، يسهم في الحد من التأثيرات البيئية والاجتماعية السلبية. وفي مرحلة التشغيل تضمن المتابعة المستمرة والتزام أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة نجاح المشروع واستدامته، وتعزز التحسين المستمر؛ ما يسهم في حماية الصحة العامة، وتحقيق تأثير إيجابي طويل الأمد في البيئة والمجتمع.
ولضمان نجاح المشروعات البيئية واستدامتها لا بد من اعتماد إطار منهجي واضح لقياس أثرها وتقييم أدائها، باستخدام مقاييس دقيقة وموثوق بها تعكس التأثير الفعلي. وقد يؤدي غياب آليات التقييم الفعّالة والواقعية والشفافة إلى تحقيق نجاح مؤقت على المدى القصير، لكنه يهدد استدامة المشروع ويمنع تحقيق أهدافه على المدى الطويل. وعبر دمج مبادئ الاستدامة في جميع مراحل المشروعات البيئية، والتأكد من توافقها الاستراتيجي مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يمكن للمؤسسات تنفيذ مشروعات بيئية فعالة ومستدامة لا تقتصر على تحقيق الأهداف الفورية فحسب، بل تمتد لتترك أثراً طويل الأمد يعزز التنمية المستدامة عالمياً.
د. راشد محمد كركين
مؤلف كتاب «قادة التنمية المستدامة» - خبير حماية البيئة والتنمية المستدامة - مؤسس معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب - نائب رئيس جمعية الباحثين.